أربعة أيام في هولندا " الجزء الأول "


روناء المصري- 2009م

قد كانت هذه التجربة الأولى لي خارج وطني العربي ، بعد أن تزوجت وأنجبت ، لكن بحكم المهنة كصحفية كان لابد لي من خوض التجربة حتى نهايتها ، و لا أعلم سببا واحدا يجعلك تقرأ تجربتي إلا إذا كنت تود أيها القارئ العزيز أن تعرف ماذا تعلمت على المستوى الإنساني والمهني ، أو إن كنت تمتلك نوعا من الفضول عن طريقة تفكير فتيات العرب في بلاد الغرب !
وأقول لكم رأيي بصراحة ، فربما يبدو على الهولنديين أنهم يعرفون حقيقة الحياة وابعاد الحكمة من وجودها ، لكن الأهم أنهم يدركون ان قيمة وجودهم متعلقة بقيمة بقاء الطبيعة على حالها ، فلقد قالت لي " فيمكا " ،أحد المسئولين عن برنامج شراكة المياه في هولندا ، : " أن المنطقي هو ان يعلم الناس أنه عندما نلوث البيئة بغازات الإحتباس الحراري ، فإننا لن نقضي على الأرض ، بل نقدم انفسنا للأرض لتقضي هي علينا "و لقد فكرت كثيرا فيما قالته و وجدت أنها على حق مؤكدا.
هذه البلاد التي كانت ولازالت تحت مستوى سطح البحر ، تعايشت مع الخطر القادم بالعمل المخلص و العلم ، و قدموا موسيقى إمتزجت فيها الطبيعة بالبشر كأحد مكونات الخلق، نحن نعي ذلك جيدا كشعوب عربية لكن ربما لا نعمل عل تحقيق ذلك التكامل على المستوى الإنساني و ربما حانت لحظة البداية اليوم و قبل الغد بسبب ظاهرة الإحتباس الحراري و قضية تغير المناخ ، و من خلال عملي كصحفية أدرك جيدا القيمة الحقيقية لتأثير الشعوب على السياسات الدولية ، ولقد حان الوقت لكي نتحرك للعمل من اجل البيئة .
في هولندا حيث عشت لمدة أربعة أيام تنقلت فيها في كل ربوع البلاد من شرقها و شمالها وغربها و جنوبها ، وجدت عاملا مشتركا بين كل ما رأيت "إنه الإنسان" ، فهناك سمة واحدة تربطهم و هي تلك الإبتسامة التي لا تفارق و جوههم و الإتقان في العمل و الإيمان بالعمل .
وسائل المواصلات و الإنتقالات
إذا إنتقلنا إلى العاصمة حيث يستقبلك سائقوا الدراجات في حرية و غير خجل ، أقول ذلك لأننا في اوطاننا العربية نشعر بالخجل من راكبي الدراجات النارية و العجلات و نقدر سائقي الفيراري و الهيونداي و غيرها من ماركات السيارات الفارهة ، إنما الوضع معكوس تماما هناك ، حتى أنني علمت أنه إذا لا قدر الله وإصطدمت سيارة بدراجة حتى و إن كان المخطئ هو سائق الدراجة فإن العرف يلزم سائق السيارة أدبيا بالتكفل بمسئوليات العلاج و الإصلاح لسائق الدراجة ، و هنا رسالة قرأتها بوضوح تقول الرسالة : شكرا لسائقين الدراجات فهم يحافظون على البيئة بينما يعمد سائقي السيارات إلى تلويثها والقضاء علينا " ، إلى هنا تنتهي الرسالة و لكن أود أن أضيف أن للدراجات طريق خاص ممهد و معبد و له إشارات مرور خاصة و مرايا تساعدهم على رؤية القادمين من الخلف ، وأماكن مخصصة لهم كجراج لهم ، إضافة إلى ان القانون يسمح بالتنقل في وسائل المواصلات بإستخدام الدراجات و يمكن مثلا طبقا لذلك أن تصعد القطارات أو الترام بالدراجة و لقد تفنن المصنعون و المصممون في صنع دراجات تصلح لإستخدامات متعددة منها مثلا ، الدراجات المطوية و الدراجات ذات المقاعد المخصصة للأطفال و الدراجات ذات عربات أطفال وكلها متوافرة في السوق و يبلغ إحصائيات إستخدامات الدراجات في العاصمة حوالي 38% من إجمالي و سائل النقل المختلفة ، بينما يبلغ متوسط ما يقطعه الأفراد يوميا على الدراجات حوالي 2 مليون كيلومتر ، و عندما عرفت ذلك بالطبع فهمت لماذا كفتاة عربية لاحظت اول ما لاحظت نحافة و رشاقة الجميع من مختلف الإعمار !
الإنتقال بالترام و وسائل المواصلات يتم عن طريق إستخدام كارت ذكي يصلح لمدة ساعة واحدة فقط و يتكلف مقدار 2 يورو و خمسون سنتا ، فقط كل ما تحتاجه هو أن تقوم بتمرير الكارت على جهاز قراءة معين أثناء صعودك و نزولك من كل و سيلة مواصلات. أضيف هنا أن وزيرة البيئة الهولندية لم تركب سيارة خاصة إلا عند توليها منصب الوزارة ، و هي من مستخدمي الدراجات و وسائل المواصلات أيضا ، نموذج يقتدى به أليس كذلك ؟
جميع السيارات هنا و وسائل المواصلات تعمل بنظام الGBS المعروف باللغة العربية بإسم نظم المعلومات الجغرافية .
و هو الهدف الأساسي من أمن البلاد الهادئة ، و كما تزود هذه الطريقة أيضا السيارات بخرائط إلكترونية تساعدهم على معرفة الطريق التي يسلكونها و تساعدهم على الحصول على المعاونة قدر الأمكان و قتما يحتاجون أيضا ، و قد تكون هذه المساعدة صوتية أو مجرد مرئية و تساعدهم على تحديد الإتجاهات ومعرفة الطريق لأي مكان و لو لأول مرة على الإطلاق .
طقوس الطعام والشراب
أحد الأشياء التي أسترعت أهتمامي ايضا ، هي الأعشاب التي يضعها الهولنديون على طعامهم ، فيمكنك أن تعلم أنه على الرغم من عدم و جود الكثير من الأعشاب التي موجودة عندنا مثلا ان الهولنديون يهتمون بها جدا ، ولقد حدث معي موقف طريف ، عندما كنت أتناول طعامي و تركت الصحن وبه بعض الأعشاب فلقد كانت بالنسبة لي ذات مذاق غريب بعض الشي ، و حضر الجرسون ليأخذ الصحن مني ، و أعطاني نظرة عتاب دون أن يتحدث و لا بكلمة واحد ة قائلا لي بعينيه : ما هذا ؟ لماذا لم تأكلي الأعشاب ؟ و نحن في مصر ، لدينا أعشابا كالكزبرة والكمون و الريحان و البقدونس والفجل و النعناع و غيرها من المذاقات الرائعة حول العالم و لا نهتم بتناولها إطلاقا ، فيا حسرة على الجرجير !!!!

أهم ما تتميز به وجبات الهولنديون هناك هي الإهتمام الكامل بوجبتي الإفطار و العشاء ، و أن الفواكه و الخضراوات من أهم المكونات الرئيسية المشتركة في كل الوجبات ، و الآن أصف لكم إفطاري في هولندا ، إنه يحتوي على البيض و الجبن الهولندي اللذيذ و الخبز المحمص و الزبدة و العصير و الشاي و القهوة ، و الشاي بمذاقات مختلفة جدا عن المعتادة لدينا ، و كذلك القهوة ، و توجد سلطة الفواكه و المخبوزات الفرنسية الشهيرة و لكن بطعم هولندي ، و يمكنك تناول الأسماك كالسلمون المدخن و غيره و كذلك اللحوم و خاصة لحم الخنزير كأحد مكونات الإفطار ، وبالطبع لقد أخبرتهم قبل سفري بالمحرمات و إن إكتشفت فيما بعد أنهم على دراية بها لأن هناك جالية مسلمة تعيش هناك في سلام و تناغم ، نأتي لوجبة الغذاء و التي عادة ما تحتوي على عصير أو شوربة ساخنة إن كان هناك متسع من الوقت ، ثم سندوتش صغير لكن متنوع أيضا، في العشاء نقضي ساعتين على الأقل في تناول العشاء ، و الذي يبدأ بشوربة أو حساء او حتى مشهيات عادية ثم الطبق الرئيسي و بعده الحلويات ، لكن التنوع موجود يا قرائي الأعزاء ، لدرجة أني كنت لا استطيع إكمال الإفطار او العشاء ، و الغذاء كان مناسبا جدا لي .
من أهم الوجبات المشهورة ، Pan cake "البان كيك" ، وحساء الخضروات المشكلة ، لقد إستمعت بهما جدا في هولندا.
يبقى أن تعرفوا أن هناك كمية من المعلومات الهامة التي تتعلق بالبيئة والتكنولوجيا والعلوم سوف أحكي لكم عنها في أجزاء قادمة بإذن الله .

تعليقات

المشاركات الشائعة