حين إرتدى الشيطان برادا

حين ارتدي الشيطان برادا

October 31, 2013 at 5:40pm

  بقلم / كريم بهاء 
-          من هذا الشاب الباسم ؟ .. 
-          انه ابن يوسف صديقنا .. 
-          آه و من اين اكتسب عينيه المصبوغتين .. 
-          اكيد من امه .. لكن لماذا انت مهتم به هكذا ؟
-          يسير في الحياة ساخرا من كل شئ .. لا يترك كبير او ذو قامة الا و يسخر منه ..
-          الم نفعل هذا في صغرنا .. كل من كان يعادي السلطة كنا نهينه ..
-         لم نكن نهينه فقط بل نسحقه .. و لكن في النهاية يجب ان يكون لنا مرجعية نرتكز عليها كنا نحمي السلطة بالسخرية ممن يقترب منها .. اما هو ؟؟
-         احلال اذن ان تسخر من الاخرين باسم السلطة ..
-         مالي اراك تدافع عنه .. نعم حلال .. اما الحرام ان تسخر من السلطة باسم المعارضة .
-         هذا منطق زماننا و لكنه ليس منطق زمان هذا الباسم ..
-         وهل لهذا الزمان منطق !
بثق احد العجوزان و هما يتحدثان و يجلسان كعادتهما على المقهي .. اشتهر عنه الحديث المتكلف طوال جلوسهما .. فهذا فلان بيه و الاخر ابن باشا .. هذا رجعي متخلف .. و هذا طليعي متحضر .. وذات مرة فسر احدهم الفارق بين الرجعية او التقدمية بأن التقدمية هي من يقف مع السلطة و الرجعية هي من يقف ضد السلطة .. لكن في تلك الايام الغبراء لا تدوم السلطة لاحد و اللحي التي اختفت طالت ثم حلقت ..

وبقي العجوزان يبحثان امر شيطان الحي الجديد الذي يطل عليهم باسما و لن يغفر له كون ابيه صديقا لهما فيما مضي .. بل هما يجدا فيه كل شئ مقيت .. فهو شاب وهم ليسا كذلك .. ساخر مما يجعله محبوبا وهما ليسا كذلك .. كما ان عينيه ملونه وهما ذهب نور العين وبقي سرابه خلفه عدسات مقعرة ضخمة ترهق عظم الانف في حملها ..
كانت تأملاتهما ضيقة الحدود في التعامل معه .. ولكن كان هناك فرصة جيدة لاثارة بلبلة حوله حين ارتدي الشاب الباسم على الموضة .. ارتدي من برادا .. سخرا هذه المرة من الامر فهما يعرفان جيدا ان برادا ماركة ملابس حريمي ..

و لم يكن احدا منهما يعلم ان برادا اصدرت خط ملابس رجالي جديد و كان الشاب اول من يرتديه .. فتحولا بسخريتهما منه على هذا الامر الي ثنائي من الجهلاء .. وتجاهلاه لبعض الوقت فهو في رداءه بالنسبة لهم و الادوات التي يستعملها كأنه كائن قادم من كوكب اخر .. ولكن طالتهما سخرية الشاب ذات مرة في مجلسه على المقهي .. فعلي الرغم من انهما لم يعتادا وجوده على المقهي الا ان وجوده على منضدة مجاورة سبب لهما ازعاجا في البداية و خشيا من سخريته الا انهما لم يتحدثا في الامر بل بدا ان ما بينهما اتفاق ضمني قررا سويا تغيير موعد جلوسهما على المقهي .. و حرص كل منهما دون ان يخبر الاخر ايضا على تفادي الجلوس مع الشاب الباسم في نفس الوقت .. فطل كل منهما على المقهي و التقيا احيانا كثيرة في وقت لا يتواجد فيه الشاب على المقهي  ..
ولكن ظلت رغبتهما في معرفة كيف يسخر هذا الشاب من الاخرين خاصة ممن هم في نفس عمرهما ازمة يجب حلها و في حاره مزنوقة بين المقهي و بيت قديم وقف احد العجوزين يتاب الشاب الباسم و وجده يتحدث عن بعض الهة العصر القديم التي مجدها هو .. فلم يكن منه الا ان سجل غضبه الشديد في ورقة قديمة و قرر ان يفضحه ..

عبر العجوز خط الترام القديم الذي تتم ازالته و اتجه الي تبة عالية من يصعدها يشعر انه حقق نصر ..
صعد العجوز و هو يعلم انه سيلقي الالهة هناك .. الا ان دهشته كانت شديدة حين وجد الالهة تغيرت ملامحها و اصبحوا يتحدثون من وراء متحدثين .. وبشكل غير مختصر و غير سريع عرض شكواها على الالهة .. او بمعني ادق على المتحدث باسم الالهة و اما سبب عدم قدرته على الاختصار و التحدث السريع .. كان المفارقة التي التقطها .. فالمتحدث باسم الالهة كان قريب الشبه في السن من الشاب الباسم .. كما انه تخيله للحظات مرتديا ملابس برادا فوجدها تليق عليه بشكل كبير .. هل يعقل ان يكون المتحدث باسم الالهه هو ذات الشاب الباسم على المقهي ! ..

عاد يجرجر شعور الاحباط الذي اصابه فلم يجد اجابه تشفيه .. و قرر ان ينتقم بنفسه من الشاب الباسم فاطلق خيل لسانه ليسخر هو الاخر من الشاب الباسم .. و لكن سخريته باتت منسيه و الشاب لا يتوقف و يبتكر و يبدع ادواته و ملابسه البرادا تكسبه المزيد من البريق الذي يدفع الجميع لمتابعته .. و هكذا وجد العجوز خيل لسانه لاهثه لا تستطيع مجاراة الشاب الباسم ..
لذا و بدون تردد قرر انتظاره في الحارة المزنوقة ليسلك نفس سلوك اهل الحاره و هو ان يضرب الشاب الباسم حتي لو قتله لا يعنيه المهم ان يتوقف عن سخريته منه و من الالهه ..
وحين حدثت المواجهه لم تكن مع الشاب بل حدثت حين اكتشف ان صديقه العجوز بات من مريدي الشاب .. و في الحاره المزنوقه سئل صديقه العجوز ..

-         اتتبع خطوات الشيطان ..
-         هل اصبح شيطان لمجرد انه ارتدي برادا .. يا صديقي لو كان برادا على زماننا كنا ارتديناه .. اما هذا الزمان فهو زمن جديد بادوات جديدة و بموضات جديدة
-          لا اعترف بادوات هذا الزمان .. و لا يحق لاي شخص بادوات جديدة ان يهاجم الهتنا .. انها السلطة التي تحمينا ..
-         تأكدت حين جلست مع الشاب على المقهي انه لا يسب الالهة .. انما يسبنا نحن .. نحن عجائز العقل في زمن شاب .. نحن من نمجد الاشخاص و نجعلهم الهه و نحن من ندعهم يمتلكون تلال النصر و يضعون الاكاليل .. و نحن لا غيرنا من ينسي في كثير من الاحيان اسماء هذه الالهة .. اما هو فصدقني يسخر منا نحن و لم يسخر من اي الهه

و لم يطل الحوار كثيرا بين الصديقين العجوزين في الحاره المزنوقه حول الشاب الباسم بل اندفع العجوز الغاضب و في لحظة عمي لكي يقتل العجوز الاخر .. و تباري العجوزان بخطاهما الثقيلة المترنحة واحد يضرب و الاخر يقاوم و حين جاء اليوم التالي لم يبحث احد عن جثتيهما .. بل تشكلت الدماء و النظارات المكسورة و جسديهما المنسدل كل منهما فوق الاخر ليخلق صورة فنية جميلة ..
ولم يسع شركة برادا الا ان تحول صورة القتال العجوز هذا الي لوحة فنية تم طباعتها على الملابس و ادواتها الجديدة .. و في ظهور الشاب الباسم من جديد على المقهي ظهر مرتديا صورة قتال العجوزين .. باعتبارها احدث خطوط الموضة ..
وبقي الشاب على المقهي .. و بقيت الالهة منتصرة

تعليقات

المشاركات الشائعة