دعوة للإصلاح

بقلم روناء المصرى


غدا سأذهب إلى عملى منذ إنقطاع دام مدة عشرة أيام بدءا من أحداث الجمعة السوداء 28 – يناير 2011 ، هكذا قررت أن أسميها بعد أن قرأت مزيج التسميات المختلفة لأيام الأسبوع على مدار تلك الأيام.

و يبدو ان طاقة الإستعداد ليوم عمل جديد جعلنى أتساءل بينى و بين نفسى عن وجه مصر غدا ؟

ماذا سيكون وجه مصر بعد أحداث 25 يناير 2011 ؟

أولا : نحن جماعة المعتدلين المصريين نكن كل الإحترام و الإعزاز و الفخر بهؤلاء الذين صنعوا تغييرا و قدموا معنى جديدا لكلمة مستقبل ، بعد أن كانت صورته قاتمة فى أذهاننا.

ثانيا : أننا نود جميعنا كل المصريين بأن تقوم لتلك البلاد العريقة ذات التاريخ الممتد همة ناشطة و جسورا متتابعة من إصلاحات حقيقية تحدث غد أفضل و بعد غد أكثر إبهارا و اكثر إشراقا .

ثالثا : اننا إفتقدنا الشعور بالامان و الأمن و الطمأنينة و الإستقرار . و مهما كان ماحدث و برغم كل المكاسب التى حققناها من خلال هؤلاء الشباب ، لا تزال وقفتهم محل إعتراضنا جميعا ، و فكرت لماذا لا يسمعون أصواتنا و نحن نناشدهم بإسم مصر التى خرجوا من أجلها ؟ لماذا هم مصرون على البقاء فى ميدان عام تظاهرا ضد النظام ؟

و من حسن الحظ أن عملى يتيح لى من وقت لآخر الحصول على معلومات مباشرة من المصدر فكان هذا البيان الذى أرسله هؤلاء المعتصمون إلى عبر البريد الإليكترونى ،و قررت قراءته بكل تمعن محاولة أن أفهم لماذا يقفون بينما الحال فى مصر كله واقف و كأنهم منعزلون تماما عن مصر بعد أن كانوا وسط الأحداث، هل قرروا تهميش انفسهم بعدم التواصل ؟ ام قررنا نحن الإستمرار فى الحياة بمصر جديدة حتى نجعلهم يسمعونا بكل وضوح نحن أيضا كما سمعناهم أول الأمر؟

لا أدرى ، لكن إليكم ما ورد على لسان كل من "احمد عطا" ، و "شيماء عطيفى" ، وهما إثنان من معتصمى التحرير كتبوا كل ردودهم على حديثنا معهم و كان من حقنا تحت مسمى الديمقراطية أيضا أن نرد عليهم بالإيضاح ، لهذا كتبت هذه السطور بمنتهى الواقعية و من خلال سؤالى و بحثى من عدة مصادر و قررت أن ألجأ إلى القضاء المصرى الذى يجمع عليه الجميع بأنه رمز للنزاهة و الإرتقاء عن مستوى الشبهات، و إليكم ما ورد مدللا بنصوص القوانين الموجودة فى الدستور ، و مفهومها القانونى كما ورد على لسان القضاة و كما ناقشه كل من هاذين الشابين فى خطاباتهما المرسلة :

أولا: ذكرت "شيماء "أن عدد الطعون المقدمة على مجلس الشعب المصرى الحالى تربو عن 900 طعن ، بينما يبلغ عدد القضاة المصريين 300 قاض ، و تساءلت " شيماء" أليس ذلك تسويفا للأمور بما يعطل النظر فى الطعون ليمتد سنوات ؟

و بالبحث علمت أن أنواع الطعون يمكن تقسيمها لنوعين أو بالأحرى لمرحلتين المرحلة الأولى هى طعون متعلقة بمرحلة ما قبل الإنتخابات و يضلع بالنظر فيها مجلس الدولة المصرى و لقد أصدر حكما بوقف الإنتخابات على أكثر من 190 مقعد ، و لكن إمتنعت لجنة الإنتخابات عن تنفيذها إستنادا إلى إستشكالات فى التنفيذ أقيمت امام محاكم غير مختصة بالمخالفة للقانون فى تلك الأحكام.

هذه الأحكام تختص بصفة المترشح ، و الإدراج فى الكشوف الإنتخابية و غيرها من عمليات تنظيمية تسبق الإنتخابات نفسها .

ثم المرحلة الثانية الطعون فى العملية الإنتخابية نفسها و تفصل فيها محكمة النقض حيث تصدر قرارات تعرض بمجلس الشعب و للمجلس حرية الأخذ بها من عدمه.

ما هى خطورة هذا الموضوع ؟ خطورته أن قوام مجلس الشعب الدستورى يصل لحوالى 506 مقعد ، و مع وجود طعون على 190 مقعد يظل المجلس غير كامل النصاب القانونى ولكن دون تنفيذ بسبب الإستشكالات، و بالتالى أصدرت المحكمة الإدارية العليا أن المجلس الحالى تشوبه شبهة البطلان !

هل يقف الحوار عند هذا الحد ؟

بالطبع لا ، الجملة تكتمل معناها بأن نسعى أثناء الإصلاح فى مصر بكل طوائفه و شعبه لمنع الإستشكالات الخاصة بتنفيذ أحكام مجلس الدولة فى طعونها و الحصول على إشراف قضائى خلال سير العملية الإنتخابية.

و نعود لنكمل تعليقنا على الملحوظة الواردة من الشباب بمقارنة عدد القضاة بعدد الطعون المقدمة ، و السؤال الذى اطرحه عليهم فى المقابل هو: ما المانع أن يقوم القاضى بالنظر فى اكثر من طعن و كتابة ثلاثة أحكام أو أربعة أو أكثر بحسب مقتضيات الأمور قى طريق الإصلاح؟

أعتقد أنه لا توجد موانع منطقية عند توافر رغبة الإصلاح.

النقطة الثانية هى المدة الزمنية التى تتخوف منها "شيماء " ، فالرد هو ان الدستور المصرى قد حدد مدة زمنية للنظر فى الطعون طبقا للمادة رقم (93) من الدستور المصرى و التى توضح أن يختص مجلس الشعب بالفصل فى صحة عضوية أعضائه من خلال محكمة النقض المخولة بالتحقيق فى صحة الطعون المقدمة إليه بعد إحالتها إليها من قبل رئيس المجلس ، حيث يجب إحالة الطعن خلال 15 يوما من تاريخ علم المجلس به ، بينما يجب الإنتهاء من التحقيق فيه خلال مدة أقصاها 90 يوما من تاريخ إحالته لمحكمة النقض ، ثم ينظر المجلس فى قراره بشأن قرار المحكمة الصادر خلال مدة زمنية لا تتعدى 60 يوما ، أى إجمالى المدة الزمنية وفق الدستور و القانون لا تتعدى خمسة أشهر فقط و ليس سنوات كما تخوفت " شيماء " و غيرها من شباب التحرير كما يطلق عليهم فى الشارع المصرى حاليا.



أحزاب متعددة

ماذا عن مطالبهم فى وجود احزاب سياية متعددة فى مصر تتم بكل يسر و سهولة ، لقد ذكروا تحديدا تعبير إطلاق الحريات العامة و أطلاق حرية التجمع و تكوين أحزاب سياسية ؟

لقد بحثت أيضا ومن خلال المصادر علمت أنهم ينادون بإحداث تعديل فى مادة رقم (39) بالدستور المصرى ، و عندما عدت إلى تلك المادة و جدت انها تتحدث عن الإدخار و أنه واجب وطنى تحميه الدولة و تشجعه ، و علمت حينها أنهم أخطأوا فى رقم المادة المطلوبة ، و عندما رجعت إلى أحد مصادرى من رجال القضاء المصرى أوضح لى أن المادة رقم (5) هى المادة المنشودة للتعديل و المختصة بالأحزاب ، و توضح المادة أن النظام السياسي فى مصر يقوم على تعدد الأحزاب و لكن ، كيف يتم إنشاء حزب فى مصر وفقا للمادة الموجودة بالدستور؟

الخطوات تبسيطا تتم كالتالى :

- يتم تقديم طلب بإنشاء حزب للجنة الأحزاب ، و تشكل تلك اللجنة فى أغلبيتها من الحكومة ، و برئاسة رئيس مجلس الشورى ، وعضوية وزير الداخلية و وزير العدل ، و وزير الحكم المحلى ، و بعض الشخصيات العامة ، و من حقها رفض تشكيل الحزب ، و هنا ننتقل إلى الخطوة الثانية.

- يقوم الحزب المرفوض من الخطوة الأولى بتقديم طعن امام دائرة الأحزاب السياسية بالمحكمة الإدارية العليا والمشكلة برئاسة رئيس مجلس الدولة و خمس من القضاة المصريين ، و ست من الشخصيات العامة يحددهم مجلس الشعب و فقا لقانون "القيم ".



لكن فى طريق التغيير يدعو الشباب و نحن معهم فى هذه النقطة إلى تعديل النص القانونى بحيث يتم تسهيل إنشاء حزب جديد بمجرد إخطار لجنة الأحزاب فقط ، و على اللجنة أن تتجه إلى الخطوة الثانية فى حال رفضها للحزب المراد إنشاؤه.



رئيس جديد

تحدث الشباب عن تعديلات بالمواد أرقام (76) و المختصة بتحديد شروط الترشح لرئاسة الجمهورية ، ونحن نساندهم تماما فيما ذهبوا إليه من دعوة للإصلاح ، و نذكرهم بأن الرئيس المصرى الشرعى وافق على تعديل تلك المادة أمام الشعب والعالم.

ثم المادة (77) و التى تختص بتحديد مدة الرئاسة للرئيس المنتخب لتمتد بحد أقصى إلى 6 سنوات ، و نحن نساندهم فى مطلبهم و كذلك وافق السيد الرئيس على تعديل تلك المادة إرضاءا لرغبة الشعب.


طالب الشباب بتعديل المادة (88) و التى تتحدث عن الإشراف القضائى للعملية الإنتخابية و فى مصر تم بالفعل حاليا فى ظل القانون الحالى تشكيل لجنة عليا للإنتخابات مشكلة من خمس قضاة و خمس شخصيات عامة تترأس لجانا عامة فقط و يندرج تحت تلك اللجان لجان أخرى فرعية ، و هذه المادة فى حاجة للتعديل بما يضمن تحقيق إشراف قضائيا وثيق الصلة بخطوات سير العملية الإنتخابية بحيث يكون هناك قاض على كل صندوق ، هذا المطلب المشروع للشباب هو محل ترحيب و موافقة ايضا من قبل جموع الشعب المصرى و فى نظرة نحو الإصلاح ما دمنا قد بدأنا فيه خطوات كبيرة فإن بعض القضاة الذين تحاورت معهم يقترحون أن يشرف القضاة رمز النزاهة المصرية و الحيادية و محل ثقة الشباب و الشعب بكل طوائفه على العملية الإنتخابية بدءا من اول خطوة فى طريق التنظيم و إقترح البعض أن يتم إلغاء تداول البطاقة الإنتخابية ليحل محلها الرقم القومى حيث لا توجد به شبهة تكرار الرقم نفسه لأكثر من شخص بالإضافة إلى إسم الشحص المنتخب ، و بالتالى لن تكون هناك حاجة للجان إنتخابية خاصة و دوائر إنتخابية بها كشوف خاصة ، لأن الجميع سيملك عندها حق الإنتخاب برقمه القومى و إسمه المدون بها من أى مكان فى مصر او بالعالم ، بل سيتمكن البعض من إستخدام التكنولوجيا الحديثة الرقمية فى الإدلاء بأصواتهم من خلال الإنترنت ، و عندها سيتم ربط المغتربين بوطنهم حيث سيشاركون فى تحديد المصير و تقرير المستقبل بالإنتخاب من بعد وفق أرقام جوازات سفرهم أو أرقامهم القومية.

إقتراح رائع يعكس روح الإصلاح التى ينبغى إستثمارها فى الوقت الراهن إلى أقصى حد.



حكومة إئتلافية

ثم تحدث الشباب عن تكوين حكومة إئتلافية، فما هى شروطها فى ظل النظام المصرى؟

فى مصر يطلق على النظام السياسى أنه نظام "برلماسى" نسبة إلى مزيج بين النظامين البرلمانى و النظام الرئاسى؛ ففى امريكا يسود نظام الحكم النظام الرئاسى حيث يختار الرئيس المنتخب معاونيه أو سكرتاريته من الوزراء فى مختلف الميادين ، و يقال مثلا سكرتيرة الدولة للشئون الخارجية على وزيرة الخارجية الأمريكية ، و هكذا ..

أما النظام البرلمانى ، فيقتضى أن تشكل الحكومة من حزب الأغلبية فقط، فماذا لو فشلت الأحزاب فى ان تكون أغلبية فى البرلمان ؟ عندها سيتحد أكثر من حزب لتكوين حكومة موحدة و يطلق عليها إئتلافية مثل ما يحدث فى إسرائيل مثلا ، عندما إتحد حزبالعمل و حزب الليكود و هكذا..



وبالتالى لم يدرك الشباب تحديدا ما هو المطلوب من تلك الكلمة أو المصطلح ؟ ماذا لوكان الرئيس المنتخب الجديد من حزب أغلبية ؟ و ماذا إن لم ينجح حزبه فى الحصول على الأغلبية ؟

إذن هنا سقطت نقطة من مطالب الشباب ، نكملها من خلالهم فى دعوة للإصلاح الجاد من أجل مصر و نطالب بتحديدها كى تكون الحكومات على مستوى المسئولية فى اوطاننا و أن نكون اكثر تحديدا لأى نظام نتبع فى مصر " برلمانى " ام " رئاسى"؟



النقطة الأخيرة التى حدثوا عنها هو مطلبهم الرئيسى للرئيس بالتنحى أو المغادرة أو الرحيل ، أيا ما أسموه ، و إليكم السيناريو الذى تصوروه بناءا على ذلك المطلب ، سيقوم الرئيس بالرحيل ، و قالوا بالتنحى عن السلطة ، فيترك السلطة لنائب الرئيس الحالى ، و بما انه غير شرعى من وجهة نظرهم ، فسيسلم الأمور لمقاليد رئيس مجلس الشعب ، لكنه هو الآخر غير شرعى من وجهة نظرهم ، مما يحيل الأمر إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، و هو أمر مؤقت يستدعى إجراء إنتخابات رئاسية فى مدة أقصاها 60 يوما ، و هنا رجعت مرة اخرى إلى رجال القانون أتفهم منهم الشرعية القانونية لما عرضه هذا السيناريو ، و سأرد بشيء من التفصيل :

اولا : تنحى الرئيس يستتبع أن يتولى رئيس مجلس الشعب الحكم بشكل مؤقت فقط و ليس أن ينتقل الحكم إلى نائب الرئيس و هذه هى الحقيقة القانونية لكلمة تنحى الرئيس التى يجب أن يستوعبوها جيدا ، اما تسليم الحكم لنائب الرئيس فهذا جائز فى حال وجود ما يمنع الرئيس من الإستمرار فى أداء مهامه كرئيس دولة ، وتحدد المادة ( 139) من الدستور المصرى ، أنه لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا او اكثر و أن يحدد إختصاصاتهم .

و فى هذه الحالة التى سيؤول فيها الحكم إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا ، ستجرى إنتخابات وفق الدستور الحالى ، أى ستكون هناك نفس الطعون و نفس الحالة المرفوضة من غياب الإشراف القضائى للإنتخابات فنعود مرة أخرى لنقطة البداية ، و سيفقد السيناريو الخاص بهم مصداقية إحداث تعديل وتغيير حقيقى .



إذن ما هو المطلوب لإحداث تغيير ؟

المطلوب هو أن يتم تعديل الدستور بالفعل ، تعديل كل المواد التى ذكرت آنفا فى هذا المقال كما أردنا جميعا كشعب مصرى يقف متكاتفا فى الأزمات ، و لكى يحدث ذلك لا بد أن يبقى الرئيس الوحيد المخول بإجراء تعديلات دستورية بما يتفق مع الشعب خلال فترة حكمه الباقية ، أو أن يقرر الرئيس تفويض نائب الرئيس الموجود حاليا فى مهام تعديل الدستور و يخول له الحق بذلك ، و ربما يكون ذلك نظرا لعدم توافر القدرة الصحية لسيادته ، خاصة فى ظل مرض السيد الرئيس السابق.

لهذا السبب تحديدا ، نحن ضد الوقوف المستمر دون جدوى فى ميدان التحرير ، لهذا السبب أردنا أن نبلغهم كيف اننا معهم فى الإصلاح و لكن بصوت عاقل يدرك معنى الروية ، ربما لأننا اكبر منهم سنا، سندرك معنى الوقت و الصبر من اجل نيل المطالب ، و نعدهم أن الصمت الذى طال 30 عاما لن يتكرر من جديد ، لكن عليهم أن يعدونا كذلك أن نكف عن الصراخ و العويل و البكاء على ما فات من ذوينا و أبنائنا ، فلا جدوى من الوقفة لأن الحياة ستمضى لا محالة،

هؤلاء الشباب أقصد من تبقى منهم لم و لن يقدروا على صنع شرعية ثورية تقلب موازين التشريع فى مصر أو تتحدى الزمن ، لأننا مصريون نعلم معنى الوطن ، ومعنى الكرامة ، لن نريد لأحفادنا و أبنائنا أن يوصموا بوطن قذف الشرعية دون أن يعطيها فرصة للإصلاح ، كيف نفعل ذلك و نحن لم نفعله منذ أكثر من 59 سنة مضت على ثورة عام 52 م عندما قررنا أن نذكر بكل الإحترام مليكنا الذى تفضل جلالته فتنحى عن الحكم لولى عهده الصغير ، الذى تم عزله فى إحترام و شرعية ، و وقف رجال الثورة الضباط فى شرف توديعه على مركبه المحروسة وسط المدافع الكريمة ، و هو فعل ما فعل لمصر وشعبها .



نحن الكبار لن نفعل ذلك لرئيسنا لأننا ننظر إلى وجه مصر فى العالم و فى نفوسنا ، و لأجل مصر تكرم ألف مليون عين و نحن فقط نريد أن نكرم عينا واحدة ، ألا تستحق مصر منا ذلك؟





المشاركات الشائعة