ليلة فى عمر مصر

إنه يوم الخميس الموافق 14 يونيو 2012 ، سوف يشهد هذااليوم على أهم قرار يمكن ان يحول مسيرة بلد و شعب بأكمله .. إنه قرارالمحكمة الدستورية العليا حول مجلس الشعب و حول قانون العزل .. و بذلك ستحسم جولة الإعادة مرة أخرى .. نعم إنه أحد المتغيرات التى تحدثت عنها و عن تأثيرها فى إختيارات الناس و قرارتهم و انا واحدة منهم ..
 كان لدى عمل فى ذلك اليوم .. و طلبت منى أسرتى الا أذهب .. لكن بعد يناير 2011 لم تكن تلك الأحداث تعنى لى شيئا ، كنت قد توصلت إلى ان قدرى سيدركنى أينما كنت و فى أى مكان ، فلم يعد قلبى يخش شيئا بالمرة ، و ذهبت إلى العمل ...
 كان لدى إجتماع لمناقشة الخطة الخاصة بالشهر القادم .. و بدأنا النقاش لكن أمام شاشة التلفزيون .. نستقبل الأخبار أولا بأول ، و بدأ حديثنا بعبارات مقتضبة و كأننا نحاول ان نسابق الزمن حتى لا يفوتنا أى شيء من سخونة الأحداث المتوقعة ، وجاء الحكم ببطلان ثلث مجلس الشعب من قوائم الفردى ، و بعدم دستورية قانون العزل ، وبهذا القرار لم يعد لدينا مجلس شعب أو حتى لجنة تأسيس دستور ، و لم يعد لدينا سوى جولة الإعادة بين مرشح متهم بكونه من الفلول ، و مرشح أخر متهم باجندته الخاصة ، و بدا الوضع غريبا ..
 خرجنا من المبنى كان الجميع حريصا على الذهاب مبكرا إلى المنزل فمن المتوقع أن تغلق الشوارع تحسبا لحالات الغضب و الهياج فى الشارع ..
 و مشيت .. لم تمض سوى دقائق معدودة و الشوارع التى كانت تخلو من المارة بدت و كأنها يوم المحشر .. لا أعلم من أين تدفق كل هذا الكم الهائل من البشر ، غير أنى إستطعت المرور عبر شبكات من الطرق المختلفة حتى وصلت إلى المنزل ، فمنزلى بجوار المحكمة الدستورية العليا بطلة الأحداث الحالية و بالطبع كان محيطها مغلقا تماما للتأمين .
 منذ ذلك اليوم و حتى الساعة التى أحرر فيها هذه المشاركة ، لم يغمض لى جفن واحد ... لقد إختلفت أمامى الموازين تماما ... عدت إلى نقطة الصفر من جديد .. هل سأشارك فى الإنتخابات أصلا؟
 أم هل سأبطل صوتى ؟
 أم هل سأختار مرشحا ؟
 ولو قررت الإختيار من سيكون هذا المرشح فى ضوء المتغيرات الجديدة التى طرأت على الساحة .
 و أجزم بأن حال المصريين جميعا كان مثل حالى تماما او أسوأ ، الكل شعروا بإنعدام وزن ، و إنعدام القدرة على التفكير ، و إنعدام المنطق ، بدت لنا تساؤلات كثيرة .. منها :
 كيف سنختار الرئيس بدون دستور يحدد صلاحياته القادمة ؟
 إذن أين هى الثورة التى قامت و لم تستطع إن تكتب دستورا جديدا خلال سنة و نصف ؟
 أين بدأ الخطأ ؟
 هل من غزوة الصناديق فى التاسع عشر من مارس 2011 عندما قلنا نعم للتعديلات الدستورية ؟
 أم هل من المشاركة فى إنتخابات البرلمان المصرى ، على الرغم من أن المرشحين الفرديين لم يخفوا أبدا خلفيتهم الحزبية على أحد ، فلماذا قبلوا بهم فى المقام الأول ؟ و لماذا شجعونا على إنتخابهم و على الإدلاء بأصواتنا ، فى مجلس من الممكن أن يطعن على أعضائه فيما بعد بالبطلان ؟
 ثم مهزلة اللجنة التأسيسية للدستور ؟ لماذا تأخرنا كل هذا القدر ؟ و لماذا لم نحتوى إختلافاتنا بتفضيل مصلحة الوطن ؟
  وقبل ذلك ... مهزلة سباق الترشح للرئاسة ، و إصرار الحرية و العدالة على ترشيح من يمثلهم فى السباق ، بدلا من الإلتفاف حول مرشح بعينه و العمل على توحيد صفوف الناخبين ، فجاءت الترشيحات تعطى إسما .. لا بل إثنين لاعب رئيسى ، و أخر إحتياطى ، ياللسخرية !! من الشعب المصرى أقصد طبعا .
وجاء شفيق ، على قائمة الإعادة ... و أصبحنا بين خيارين كلاهما مر و مرفوض و صعب ..
 و بدا لى هذا الشريط مخزيا على الثورة المصرية ككل
 اليوم طلب منا ان ننتخب رئيسا للبلاد ، بلا برلمان ، بلا دستور ، إذن عدنا إلى حيث كنا قبل الثورة ..
 و ذهبت فى أفكارى إلى الفريق الذى ينادى لمقاطعة الإنتخابات .. أو إلى إبطال الأصوات فى اللجنة الإنتخابية ، غير أن هاجسا ظل يحوم فى صدرى منع عنى النوم تماما
 منذ يوم الخميس ... كان نومى متقطعا .. تركيزى مشتتا .. و قلبى و فكرى محيرا ..
 و جاءت الجمعة الفضيلة .. و بدأت مرحلة الإبتهالات و الأدعية و الصلوات ، فالله وحده يملك المخرج و يعلم الخير للجميع و لمصر ..
 فمصر ليست دولة منفصلة عن محيط العالم ، أو هى دولة شأنها محدود الأهمية ، لا .. إنها دولة سيادة  وقوة ، و عصا الإتزان بين كفتى ميزان الغرب و الشرق ، بين الأديان ، بين الشعوب ، دبلوماسيتها مشهودة ، و سياساتها مؤثرة ، و شعبها رائد من الرواد ، و خيراتها ظلت تطعم الأرض قرونا طويلة ، و  جيشها ضحى بدمائه فى كل وطن عربى ، نعم سالت دماء المصريين على تراب الأراضى العربية دفاعا عن الحرية و الكرامة و العدل و الخير ، و ذكر إسمها فى القرآن .. و أوصى بأهلها خيرا نبينا الكريم ، و فيها وضع الله البقعة المباركة فى الوادى المقدس ، حيث كلم الله موسى عليه السلام ،  و أمنت فيها السيدة العذراء على وليدها النبى عيسى عليه السلام .
 إنها مصر ...بلدى .. و طنى ..
 لم تترك أحدا فكيف أتركها اليوم ..
  الأقوياء هم من يستطيعون أن يقرروا بلا حيادية ، بلا إنسحاب ، بلا إنهزام و بلا خوف من تحمل العقبات أو المسئولية ، و كنت أحسب أنى أنتمى لهؤلاء على الرغم من كونى أمرأة .. غير أنى أمرأة مصرية أعطتنى الأرض من سمرتها قوة ، و من خضرتها صلابة ، و من هواءها روحا تشعر ...
 على أن أتخذ قرارى ..
 لكنى لن أقاطع أبدا ، حتى لو كان سيناريو إنقلاب العسكر ضد الثورة حقيقيا ، على أن أن أستمر فى إثبات مبادئى ، و فى إقرار ذاتى ، و فى فرض آرائى ، لأنى مصرية .
 إذن على أن أختار ما بين بطلان الصوت أو الإختيار .. و قررت بالطبع أن أختار ...
 ما بين .. مرسى .. و شفيق ...
الله وحده يعلم كيف مرت تلك الليلة على نفسى و على عقلى و على ضميرى ..  إنها ليلة لم يغمض لى فيها جفن ، ليلة السبت الموافق 16 يونيو 2012.،ففى فجر هذا اليوم سأنهى الفصل الأخبر من القرارات الهامة ، و سأبدا فى  الفعل .. على أن أذهب إلى اللجنة اليوم ، و على أن أحدد من الذى سيأخذ صوتى اليوم... و لاحت ساعات النهار الأولى و أنا مازلت متيقظة .. و فجأة ..
 أرسل الله لى دليلا أو أحسبه دليلا على الإختيار ... فى صلاة الإستخارة .. قد يجد المصلى صدره شرحا لإختيار ما دون الأخر ، خاصة عندما يكون على الحياد .
 و طلبت من الله عز وجل أن يؤكد على إختيارى ..
 و بدأت اللجنة فى العمل ... توجهت إلى لجنتى .. و أنا لازلت أدعو الله عز و جل بأن يلهمنى الخير ، و يختار الأصلح لمصر ... و هناك لم أجد صفوفا متكدسة ، كان كل شيء سهلا تماما ، منظما ، و إنتظرت حتى حان دورى ، و حملت قلمى .. و إخترت ..
و أنا راضية بحكم الصناديق تماما ..
 راضية بحكم الله عز و جل .. مهما رتب البشر ، فإن مشيئة الله هى التى ستكون ، مهما حاول الناس لو إجتمع سكان الأرض على أمر لم يكتبه الله عز و جل فلن يكون إلا ما شاء الله و ما أراد ... فليفعل الله ما يريد
 إخترت شفيق ... و الله يولى الصالحين آمين .

المشاركات الشائعة