و.. مضيت فى طريقى ..!!


قصة قصيرة
 بقلم / روناء المصرى

إنها دعوة أناجى بها الله عز وجل !
" اللهم إليك أشكو ضعف قوتى و قلة حيلتى وهوانى على الناس. أنت رب المستضعفين ، إلى من تكلنى إلى قريب يتجهمنى ام إلى عدو ملكته أمرى ؟، إن لم يكن لك بى غضب فلا أبالى ، و لكن عافيتك أوسع لى .. أعوذ بنور وجهك الذى أضاءت له الظلمات و صلح عليه أمر الدنيا و الأخرة ، ان تنزل على غضبك او أن يحل على سخطك ، لك العتبى يا ربى حتى ترضى  ولا حول و لا قوة إلا بك"
كانت دعوتى كل يوم و كل حين .. و أنا أتضرع إلى الله ان ينجينى من حياتى .. أو يصلحها على .. لقد مرض قلبى و تألمت كل حواسى ، لقد هرمت و انا لا زلت فى سن الشباب ..تاهت معالمى كإمرأة و لم يظل منها سوى أولادى ..أنا باقية لهم ، و باقية بهم ...
 غير أنى لم أستطع أن أمنع نفسى من التمنى .. من الحلم ، بأن تمتد يد تحن على ألمى ، و تشعر بآهاتى ، بأن اتألم فأجد من يمسح عنى دموعى ، و أن أضحك فأجد من يشاركنى فرحتى ، عندما أخاف أجد من ألجأ إلى أكتافه ليحمينى .. كنت أتمنى .. فقط أتمنى ، غير أن الأمنية محرمة على من هم مثلى ، فخشيت التمنى ، و خشيت أن يقذف الشيطان فى أمنيتى ، فأكون ممن خسروا أعمالهم فى الدنيا ، فتوقفت عن التفكير فى نفسى ، أو أمنياتى ، و مضيت فى طريقى بدون مشاعر ، بدون قلب ، أكتب عن الهوى ، و لا أسمح له بدخول عالمى ، أصف لقاء و فراق ، و مشاعر العشاق ، و لا أجرؤ أن أضم إسمى إلى قائمتهم .. هكذا كانت حياتى ، مجرد دعوة لله بأن يرحمنى ، و أن يثيبنى على صبرى خيرا ً.

 ومضت بى الأيام تحملنى من طريق إلى طريق ، وأنا أسير أحيانا كثيرة فى دروبها و كأنى لازلت طفلة تتعلم و تتعرف على وجوه وقلوب الناس حولها ، و أدهش كل مرة يخذلنى فيها خلق الله ، أدركت طبائعهم ، و لم تتبدل طبائعى مثلهم ، سقطت أقنعتهم أمامى واحدة تلو الأخرى ، و كل مرة أشاهد فيها سقوطها أحمد الله على أنى لا أنتمى إلى أى منهم ، و لا أتعامل بمبادئهم ، و لا أتعاطى أسلوبهم و لا تفكيرهم ، لم يكن الإختلاف و الإنشقاق عنهم أمرا سهلا أو يسيرا ، فقد كنت كمن يسبح ضد التيار ... يلجأون إلى عندما يكون معهم الحق ، لعلمهم أنى لا أخاف فى الحق لومة لائم ، و أنى طريقهم القوى للحصول عليه... كنت وحدى أحارب طواحين الهواء ك " دون كيشوت" ،و لم أجد من زوجى سوى السخرية ، أو التهكم أو معاقبتى بمزيد من الفروض ، و كأنه يتفنن فى وضع عقبات فى طريقى ،عقبات أكبر من عقبة وجوده بها فى الأصل ...!!
 و كنت اخشى أن أكون من هؤلاء النسوة التى يقال عنهن أنهن يكفرن العشير ، فلم أرض بأن أسترسل فى عذابات نفسى و أنا أعدد كم المرات التى هزمنى فيها بسوء معاملته ، ولو لم يكن أولادى يحملون إسمه ، لكان لى معه شأن أخر ، غير أن أولادى ظلوا دائما امام عينى ، وهو ما يدركه تمام الإدراك و يعيه تمام الوعى . يثلج صدره أن لدى نقطة إعتبرها هو نقطة ضعف و قوة فى صالحه ، بينما أحتسبتها أنا عند الله أجرا و مثوبة و صبرا ، فلم أنزعج من طلباته غير المبررة ، ولا بملاحظاته التى تحمل معانى التقصير ، حتى كلامه صار يمر بجوار أذناى دون ان أسمعه ، و لم أتكبد معانة الإستماع إلى كلام لا يحمل سوى الألم ، كفانى ألما، و كفانى حزنا ، و كفانى بكاءا ، و إلا كيف سأستمر ... نعم ، على أن أستمر فى الحياة إلى أجلى الذى أجله الله على ، هذا الأجل الذى لا يدركه إلا الله عز و جل ، و حتى يحين أجلى على أن أرعى هؤلاء الصغار ، حتى أتركهم فى معية الله عز و جل ..
هكذا مضت بى الحياة ... مضت و ظلت تمضى ... دون تغير أو تبدل..
غير أن لحظات المرح ، و الفرح لم تفارقنى .. حقا ، لم تكن كل حياتى دموعا ، خالية من الضحكات ، أو حتى اللحظات السعيدة . نظرة واحدة فى عين صغارى كانت كفيلة بأن تبدد مخاوف العالم و أحزانه من امام ناظرى ، و عملى .. نعم عملى كان ملاذى و مأواى ، قلمى الذى كنت اكتب به خير صديق ، لم يتردد لحظة عندما طلبته فلم يكن حاضرا ، و لم يبتعد لحظة عن أفكارى ، فكان إسترسالا لها ، و لم يتخلف عن موعد أعطانيه مرة ... لقد كانت الحياة بالنسبة لى قارب بسيط مملوء بالضروريات ، و تبقى متعة الطريق على موج البحر ، أقصد موج الحياة ، ما بين إبتسامة و بين دعاء ، و بين حزن ،و بين رجاء ... و مضيت فى طريقى ...
 و فى الطريق كنت أحمل بداخل قلبى شعورا غريبا ، و هو الشعور بالإنتظار ، لا أدرى ما أنتظر ؟ أو من أنتظر ؟ أو متى سيأتى ما أنتظره ؟
 إلا أن فكرة وجود شيء ما كانت تثلج صدرى ، على عكس ما يراه البشر من خوف للمجهول ، و حزن و قلق ، كنت اجد أن الإنتظار لى السلوى ، أسعدنى المجهول الذى أنتظره دون أن أعلم ما يكون أو هل تراه جاء بشر أو بخير ؟
 لم أتساءل فقط صدقت إحساسى ، و لم لا أفعل !؟
 لم يسبق أن كذب قلبى على مرة ، و لم يسبق و أن خاننى إحساسى مرة من قبل ، فلم أفعل مع هذا الذى أنتظره ؟ لم ؟
لا يوجد سبب .. إذن أنا أصر على حمل ذلك الشعور ... أتراه أمنية جديدة؟ لا أعلم ؟ أم تراه إجابة دعوتى ؟ لا أعلم ؟
 أم هو إنصاف الله لى ؟ أيضا لا أعلم ؟
 ولا أريد أن أعلم ، فحينما سيأتى ما أنتظره ،سأدركه بإحساسى ...
 و مضيت فى طريقى ....
كانت دعوتى .. خوفا و طمعا لله عز و جل .. خوفا من أن أسأله ماليس به علم ، أو أن أسأله العاجلة ، فتذهب منى الأجلة ، و طمعا فى ان ينصفنى الله عز و جل ، بأن يصلح لى زوجى أو يبدلنى خيرا منه ، و لم أقصد أن يبدلنى الله زوجا فى الدنيا ، و لم تمتد نظرى إلى غيره من الرجال ... إذ كانت دعوتى صريحة ، و اضحة إنها تطلب النجاة ، و إصلاح الأمر بإيما الأجلين إرتضى لى الله عز و جل.
 و مضيت فى طريقى ...
 كنت ادعو بالعمل الصالح فى الحياة الدنيا و الأخرة ، و لم تكن دعوايا فقط حاصرة على الدنيا ، فلم أهتم كثيرا بها ، طوال حياتى إختلفت عن سائر الفتيات ، فلم أهتم لملبس " فلانة" او منزل " علانة " او أرغب فى الإستزادة ، عرف عنى منذ الصغر أن ما فى يدى يكفينى و يسعدنى ، ومالا أقدر عليه لا أرغب به و لا أتمناه ، و مضيت فى طريقى ....
  و فى ذات يوم من الأيام .. طرقت باب حياتى صورة ! هه! نعم !
 صورة .. وقعت أمامى أو فلنقل وضعها القدر امامى ، و فجأة شعرت بأن ما أنتظره قد أوشك على القدوم ..
هل سبق و شعرت يوما ، بأنك تعلم مسبقا ما ستقول ،  وما سيحدث ، و كيف ستتصرف ؟ لأنك ببساطة عشت نفس الموقف من قبل ؟؟ هل شعرت بذلك فى وقت ما أو فى اوقات ما ؟
 أظن أن الإجابة ، هى نعم !
 لأن هذا ما حدث لى بالضبط ..كنت أتأمل الصورة ، و أنا أشعر بأن صاحبها شخص معروف تماما بالنسبة لى .. بل أكاد اجزم بأنه قد دار بيننا حديث طويل ، أنا و صاحب الصورة ، ههههههههه .. كلا لست مجنونة ، بل يخالجنى الشعور .. أننى لو وقفت أمام صاحبها سأدرك كيف يفكر ، و أشعر بما يشعر ، و سأعلم متى يغضب و متى يثور ، و متى يكون مرحا و مرتاحا ، و متى يتألم ، و متى يحزن ، و متى يفكر ، و متى يكون جديا ، و متى يكون مشغولا ..
 لكن ، من حقى ان أضحك ههههههههههه، العجيب ان أشعر بهذاالشعور من أجل مجرد صورة ..!!!
 و مضيت فى طريقى ...
لا تزال تلك الصورة أمام عينى ، بكل تفاصيلها و ملامحها ، و لو حاولت ان أمسك قلما لأرسمها لفعلت ،غير أنى لا أعلم لم لا تزال تلك الصورة أمام عينى كل هذا الوقت ، لا أعلم ؟
بل لا أعلم فى الأساس كيف بدأت تأخذ من وقتى كل تلك المساحة ؟؟!!
 و مضيت فى طريقى ...
إن دقات قلبى تخبرنى بان ما أنتظره قادم ...
 و ذات يوم و بينما أنا على وشك الخروج من عملى ، إذ بى أفاجأ بصاحب الصورة يدنو من مكتبى .. و على الفور بادرت بالحديث ، كيف لا و أنا أشعر أنى أعرفه ، و قابلته ، و تحدثت معه مراراً و تكراراً ، و سألته : هل من خدمة أؤديها ؟ 
 و هكذا بدأ الحديث بيننا ، و إسترسل كثيرا ، كثيرا ، كثيرا ، و دام لساعات ، ثم إفترقنا ... و تلاقينا فى الغد ، و تحدثنا ، كثيرا ، و كثيرا ، و كثيرا ... ثم إفترقنا مرة أخرى ..
 كنا نلتقى لنتحدث فقط ، أخبرته بأنى متزوجة ، و ان لى اولاداً ، و أخبرنى هو أنه مطلق و ان له ولد واحد فقط .
 تبادلنا الحديث ، عن ما نحب و ما نكره ، عن ما نفكر ، و عن ما نعتقد ، و لم نتوقف مطلقا ، لنعرف كيف ينظر احدنا للأخر ...
 ثم أفترقنا ...
 و مضيت فى طريقى ...
 يخالجنى الشعور ، بأن أفتراقنا لن يدوم طويلا ، و إنما هو الفراق للقاء دائم ، ستختلف نظراتنا ، عندما نلتقى ، و سيعوضنى به الله خيرا على صبرى ، نعم !
 هكذا شعرت ، شعرت بأنه آدم الذى خلقت من ضلعه ، و انى حواء التى خرجت من جانب قلبه ..
و ان حياتى إلى خلاص بكل آلامها و عذاباتها و معاناتها .. ستنتهى أخيرا ، و ستتبدل ، و تتغير أحوالها .. من حال إلى حال ... مع قدومه .. فقط ..
 و مضيت فى طريقى ...
 لحظات الصمت التى عمت علينا بظلالها كانت تحمل بداخله فكرا عميقا ، ما الذى سيفعله معى ... لم يكن بيننا حديث العشاق ، و لم نشر لا من قريب أو من بعيد إلى أحاديثهم أو همساتهم ، كان فقط يستطيع مساعدتى ، بل مساعدة كل أفراد اسرتى لو أحببت ، غير أن وجودى معهم فى اطار الزوجة كان أمرا صعبا للغاية ، كانت صورتى لديه صورة محرمة ، نعم !
 حرم على نفسه النظر إليها ، ما دمت ملكا لغيره ..
 و كانت صورته .. محرمة على ما دمت فى ذمة شخص غيره ، لذلك إفترقنا ...
 لم أكن ممن يدفعون حياتهم دفعا ، أو يحاولون أن يغيروا احداثها بأيديهم ، و لم أفعل و مصيرى بيد الله عز و جل ...
 لقد صمتت مثله تماما ، و إنتظرت أن يفعل الله أمرا ، أو نفترق ...
و مضيت فى طريقى ...
 لا يلومنى أحد ، أو يقفز إلى إستنتاج أن إثما ما قد تم إرتكابه ، لأن ذلك لم يحدث مطلقا .. و لن يحدث مطلقا ... فمن يرى الله فى قلبه لا يستطيع الشيطان أن يصل إليه .. غير أننا بشر ، فمن ذا الذى يستطيع ان يمنع نفسه من الشعور .. قلوبنا تدق رغما عنا ، شئنا أم أبينا ، و يولد الإحساس من رحم الحياة لا أحد يملك أن يوقفه أبدا أو يمنع مولده .. و نحن لا نعلم متى يولد على وجه التحديد .. لم تكن أحاديثنا حول أحاسيسنا على الرغم من وجودها فى الأجواء ..لكننا لم نجرؤ أن نتناولها ولو بالإشارة .. فكلانا يعرف الله حق المعرفة ...
 و مع أننا لم نفعل ، عدت إلى الله مرة اخرى ، أرجو مغفرته ، و عفوه ، و أسأله صفحه ، فقد خفت أن تكون مشاعرى التى ولدت رغما عنى إثما من الأثام ، او ذنبا من الذنوب التى لا تغتفر ، و إلتجأت إلى القرآن ... فوجدت فيه آية أخافتنى كثيرا :
" من كان يريد العاجلة ، عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا* ومن أراد الأخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا"، و خفت أن أكون ممن يريدون العاجلة فيخسرون الأخرة ، فلطالما كان هذا خوفى الدائم ، و لا يزال هو تخوفى الحقيقى ، فما معنى الوجود لو لم أحسن العمل فيه .. ؟
 و بدأت أتخلى عن تلك الصورة .. و عن ذلك الشعور بالإنتظار ... نعم بدأت أتخلى عن كل ما شعرت أو فلنقل تمنيت ، فلقد إعتبرت ما مر بى على أنه أمنية ، حتى أستطيع أن أحظرها كما حظرت كل أمنياتى السابقة .. دفنتهم فى رماد الذكرى ، التى لا تعود ...
 و مضيت فى طريقى ...
 بدون إنتظار .. وبدون ان يأتى غد جديد أو حتى يمضى هذا اليوم ... مضيت فى طريقى ، فلا جدوى فى أن أؤخر سعيى فى الحياة من أجل آخرتى ، و لو ان لى قدرا قد كتبه الله لى ، فسيأتينى دون أن أعمل على إنتظاره ....
 اللهم أنت رب المستضعفين .... لا حول و لا قوة إلا بك ...
 أصبر على حياتى .. على آلامى .. على عذاباتى ... فالفرج عندك وحدك يا رب
 و مضيت فى طريقى ... أتلو دعائى من جديد...  
تمت بحمد الله 

المشاركات الشائعة