انا و مصر و العذاب.

حالة من الإحباط و الكآبة تخيم على كل بيت مصرى ... ليس هذا فقط ما نشعر به و لكن هناك مواجهة جديدة تحدث فى كل الأسر المصرية .. الخلافات الزوجية عادت لتطفو على السطح فى صورة إختلاف آراء حول أحد المرشحين الباقيين للإعادة ، و الشجار يحتدم بين الأخوة مبرراته هو إختلاف الرأى فى الترشيح ... و نخرج إلى الشارع فنجد نفس أنواع الإختلافات بين الفصائل ، الأحزاب ، الطبقات الإجتماعية و كأن المجتمع  إكتشف فجأة أن هناك تفاوتا ملحوظا بين طبقاته و أفراده ... هذا هو الحال قبل الإعادة ، فما بالك بالحال أثناء و بعد إنتهاء الإنتخابات ؟!!
سترك يا رب 
أما عنى أنا ...فأنا واحدة منهم من كل هؤلاء ، تجدنى الإبنة التى تود أن تصرخ ... أيتها الأسر المصرية إسمعونى أنا أيضا لى وجود بينكم ، تجدنى فى غربة كل وحيد ، فى امنية كل عاشق ، فى أحلام كل متفائل ،  وفى بكاء كل رضيع ، و فى حزن كل مظلوم ، و فى دعاء كل ناسك ... أحلم و أبكى و أنتظر حتى يحين الفجر ... و مع ان الظلام لايزال موجودا يرفض الرحيل قررت أن أعترف أن أقرر و أن أفكر .... نعم أريد الديمقراطية ... و عليه يجب على إحترام نتاجئها ، و إستيعاب عيوبها .. و التمتع بمزاياها .. أعلن أنى أقبل النتائج التى تم الإعلان عنها بشكل رسمى فى الإنتخابات ... لأنها الديمقراطية ..
 و لكن على الديموقراطية أيضا أن تتقبلنى كما تقبلتها .. تتقبلنى كما أنا ... رافضة للمساومة ... و خارجة عن نصوص الإختيار ... هذا رأيى .. و سأعبر عنه كما أريد ، و على الديمقراطية أن تتيح لى فرصتى كاملة فى التعبير ... و سأعبر على طريقتها .. بدون ميدان و بدون تظاهرات أو إعتصامات أو إضرابات ، سأعبر بالصندوق ... لن يحصل أى منهما على صوتى .. فهو ملكى .. و أنا تقبلت نتائج الصندوق و على الصندوق الأن أن يتقبل رفضى .. سأبطل صوتى لن أعطيه لأحد ، لن أمنحه لمن لا يستحق ، و مهما كانت النتائج بعد ذلك لا يهم .. فليأتى من يأتى .. سأقبل به .. فقط أحافظ على حقى فى منع صوتى عن من لا يستحق !! و سأظل مع هذا أشكر الجميع  من الشهداء و ابناء الوطن الذين كان لهم الفضل فى أن يكون لصوتى كل هذا القدر و كل هذه القيمة ... لقد شاركت فى كتابة التاريخ  بفضلهم... لقد منحونى حق كتابة سطور تجربتى مع أول إنتخابات رئاسية مصرية تجرى تحت مظلة الديمقراطية ، حتى لو حدثت بها تجاوزات .. فهذه أول مرة نخوض فيها التجربة و أعتقد أن المرات القادمة ستكون أفضل بكثير من هذه المرة تحديدا ...
لم يكن سهلا الوصول إلى مثل هذا القرار .. لم يكن سهلا بالمرة ... لم يكن سهلا أن نمر بكل ما مرينا به ..هنا فى مصر ... أيام بلا نوم .. وخوف .. وقلق ... ماذا لو تهجم علينا " بلطجية الشارع" ؟ وماذا لو دخلوا منازلنا؟ ..  أو إقتحموا حرماتنا؟ .. و ماذا لو لم يعد ولدى من المدرسة ؟.. ماذا و ماذا و ماذا؟ ... سنة و نصف من المعاناة و التعب و الترقب و الإجهاد .. سنة و نصف ننتظر أن تنتهى بمجرد إعلان إسم لرئيس جمهورية جديدة منتخب ، و إعلان دستور مصرى جديد يكتب الكرامة و العزة لكل المصريين .. لقد إنتظر المصريون كثيرا ...
 ربما كان لدى البعض الفرصة للسفر للخارج .. و ربما إكتفى البعض بالبقاء خارج الحدود منذ زمن بعيد، و بالرغم من حنينهم للوطن فإن رباطهم ليس قويا كما هو رباط هؤلاء الذين صمدوا و بقوا داخل جدران الأرض.. أن تسمع و تشاهد الحدث ... لا يتساوى مع من عاش داخله .. كنت واحدة ممن شاهدوا الموت يمر بجوارهم بحكم عملى فى " ماسبيرو" الذى كان مهددا كل وقت و كل حين .. و  الموت محيط بنا.  نعم ! كنت واحدة ممن راقبوه وهو يختار هدفه .. بلا هوادة .. كنت أجد الشباب و الشابات يفقدن الحياة فى أقل من لحظة و صوت الطلقات النارية تصم أذاننا لفترة ، ثم أجدنى أستمر فى السير .. لا أحد يحمينى و لا أحد يهتم من أجلى.. من عاش هذه اللحظات أدرك بلا شك  أن الحياة لن تهزمه مهما بلغت صعوبتها و مهما بلغت مشقتها ..
 يا مصر لو إنكى تختبرينى فحذارى ! لست ممن ينكسرون و لست ممن يهربون لقد إخترت أن اظل على أرضك تحت سمائك ، أثير ترابك كلما تملكنى الغضب .. و أحول هوائك عن مساره كلما خطوت فى طريقى ، أتحدى زوابعك و تقلباتك  بزوابع مزاجى ..  أضحك كلما وضعتى الدموع نهرا بديلا للنيل ، يا مصر ..أنى أقدر ، أقدر ، أقدر أن أتحمل  اليوم صوت آهاتك ، و ان أصبر اليوم على عذابك فهو مجرد يوم سيمر و سيصبح ذكرى .. فلا تختبرينى ، تعلمين كم كان السفر ممكنا و كم كان الهروب سهلا و لذيذا ، لكنى لم أفعل .. و لن أفعل .. 
 سأبقى لأن القادرون على تحمل أحوالك ندرة تحسدين عليها وأنا أود ان يظل الجميع حسادك!
 يا مصر .. لا تختبرينى ..  و تقبلى حقيقة أن بعضا من سكانك أهل لك ، لا ليسوا أهلك ! بل وطنا لك 
 يا مصر... المصريون و طنك فإلى من ترتحلين !
لم تبدع الأرض تأشيرة بعد لرمالك الصفراء و ضحكتك الخضراء ، و قلبك الأزرق ، وأحجارك السمراء ...لن توجد تأشيرة لمصر كى تغادر شعبها .. فلن نغادرك أبدا يا أحب البلاد... تحملينا !

تعليقات

المشاركات الشائعة