سلامات باجي - Salamat Pagi الجزء الثاني

 كنا قد إنتهينا من تصوير النصب التذكاري " موناس" و مسجد الإستقلال بأعجوب بالغة فى الوقت المحدد مع غروب شمس اليوم الأول لي فى إندونيسيا. و عدنا إلى الفندق  هذه المرة خلد الجميع للنوم بينما لم أستطع النوم بشكل جيد، و فى الصباح الباكر كنا قد إعتدنا على الفطور الغني ، لكننا إكتشفنا هذه المرة أن هناك ركنا خاصا يقدم البيض المسلوق و الجبن، فتوجهت إليه على الفور، فى هذا اليوم كان لابد و ان نحزم حقائبنا حتى نستقل الطائرة فى رحلة داخلية إلى مقاطعة جاوه الشرقية مقصدنا الرئيسي من الرحلة. و هنا كانت لي مغامرة أخرى حفرت ذكرى جديدة لي و تجربة مختلفة فى رحلتي لإندونيسيا..

            اليوم الثاني فى جاوه الشرقية مغامرة عند مبنى الأمن العام !!!

 تجمعنا جميعنا عند البوابة الخاصة بالفندق الجميل الذى نسيت إسمه حاليا، وكان حافظ و تقوى يقومان بإجراءات المغادرة، و كما تعودت فى الفنادق ذات النجوم الأكبر تركت حقيبتي فى الغرفة ظنا أن أحد ما سيقوم بإنزالها و إحضارها إلى حيث الحقائب الأخرى، و من الحظ الجميل أن حقيبة مريم و حقيبتي كان تقريبا لهما نفس اللون، غير أني ادركت فيما بعد أن حقيبتي كانت تحمل إطارا بنيا إضافيا لم يكن فى حقيبة مريم،، و سألتني أروم و إروان أن كانت حقيبتي موجودة ضمن الحقائب التى نزلت بالأسفل فنظرت فى سرعة إلى الحقائب و لمحت حقيبة مريم و اخطأتها على أنها حقيبتي فأجبت بالإيجاب ، و بدأت رحلتنا إلى المطار، و هناك تم إنزال الحقائب لأكتشف أن حقيبتي لا تزال فى غرفتي بالفندق، و ضحكت معي أروم و هي تقول لي :"هذا ليس فندق خمس نجوم عزيزتي، كان ينبغي أن تنزلي حقيبتك  بنفسك!"، و قفت مذهولة حائرة بين موعد الطائرة الحالي و بين ساعات العودة حيث الزحام إلى الفندق من جديد حتى أحضر حقيبتي و أدركت أن الأمر محال، ثم فكرت فى أني سوف أصعد إلى "برومو" بالملابس الخفيفة التى أرتديها و تخيلت السيناريو الأسوأ بأني سأتجمد فورا ، و أكون شهيدة البرد و الحر معا و تتصدر أخباري الصحف بعناوينها تحكي قصتي مع البرد و الحر.. . ويبدو أن استغراقي فى الأمر لم يطل كثيرا ، فقد حسم كل هذه الخزعبلات الضاحكة فى رأسي  تطوع حافظ و تقوى فى العودة للفندق و شحن الحقيبة على الطائرة التالية ، وعلى فقط أن أتسلمها من مطار سورابايا عاصمة مقاطعة جاوه الشرقية. فتوقفنا عن الخيالات الضاحكة و بدا الأمر أكثر جدية، لكني سعدت بأن تركت ذكرى عجيبة لموقف عجيب فى إندونيسيا، اخذنا نتندر جميعنا على الموقف طوال الرحلة، و أنا أتفنن فى أن أقدم لهم تفاسير تخيلية عجيبة من بنات أفكاري، لكن ذلك لم يكن كافيا ليمنعني من أن أنتبه إلى حركة الطيران الداخلي فى إندونيسيا لأنه كان نشطا جدا، أكثر حركة طيران داخلية رأيتها فى سفرياتي كانت فى إندونيسيا ، تقريبا دقائق معدودة تفصل طيران كل رحلة عن الأخرى، و ربما كان الأمر مطمئنا حيث سأتسلم حقيبتي فى وقت سريع ، لكن منظر الطائرات و هي تقف صفا الواحدة خلف الأخرى ، ثم تسير مسافة قصيررة لتطير و تليها الطائرة التى فى عقبها ، ثم التى فى عقبها، مازال محفورا فى ذهني، و سألت عن سبب تكدس مسار الإقلاع بالطائرات على الرغم من إنتظام مواعيد الرحلات ، ففهمت بأن إندونيسيا تشجع السياحة الداخلية و تدعم السفر بين الجزر المختلفة، سواء بقصد زيارة الأقارب و العائلة أو الترفيه أو العمل، لذا يتم حجز جميع المقاعد قبلها بوقت كاف نظرا للزحام الشديد كما رأيت. كانت الرحلة ساعتين فقط ما بين جاكرتا و بين جاوه الشرقية و لكنها كانت ممتعة بشكل ما، فلقد عملت بأن أشكال الأجنحة المميزة فى الطائرات الحديثة و التى يحتوي فيها الجناح على أذراع بزوايا قائمة و قصيرة على طرف كل جناح هي فى الأساس إبتكار إندونيسي، طاف العالم و نجح فى ان يحقق شهرة واسعة لدرجة أن كل شركات الطيران أصبحت تصمم أجنحتها بهذا الشكل، و ذلك لضمان سرعة و إنسيابية الطائرة إضافة إلى التحكم في مقاومة الهواء و الإحتكاك به.

عندما خرجنا من منطقة الجوازات بالمطار فى سورابايا، وقفنا لنأخذ صورة تذكارية معا، و نحن نحمل لافتة مكتوبة خصيصا لبعثتنا الإعلامية ، ترحب فيها إندونيسيا بقدوم الفريق الإعلامي المصري ضمن برنامج الصداقة المصرية الإندونيسية. الجميل فى الأمر أننا وجدنا الشعب الإندونيسي ، يقوم بتصويرنا كذلك ، ويأتي إلينا ليأخذ صورا تذكارية معنا أو تقريبا مع كل فرد منا، و البعض يقول لنا نحن نعرف مصر، و نعرف الأزهر، و البعض الأخر يقول أنه ذهب لمصر، أو أنه يود الذهاب إليها، بينما بدأ البعض الأخر فى إبداء نصحه حول الأماكن التى ينبغي علينا أن نزورها لأنها ستعجبنا كثيرا فى إندونيسيا، و أحدهم أرشد مصطفى و مؤمن إلى حيث يوجد مجسم ضخم لثور أمام خلفية كتب عليها بلغة البهاسا إعلان عن حلول مهرجان ركوب الثور فيما يشبه المهرجان الأمريكي الشهير ، لكن هذا المهرجان سيقام فى قرية إندونيسية وفق العادات الإندونيسية المتوارثة منذ القدم، و بدت لنا أنا و مؤمن أنها فكرة جيدة فى أن نحاول تصوير المهرجان إذا كان ضمن توقيت تواجدنا فى جاوه الشرقية، و أبدت أروم، و إروان حماستهم للفكرة ووعدوا بأن يساعدونا فى تنفيذها. ثم اخذ كل من مصطفى و مؤمن فى اللهو مع الثور المتحرك بطريقة ميكانيكية، بينما وقفنا نحن الفتيات الثلاثة أروم ، و مريم و أنا نشاهدهم و نصفق لهم فى دعابة مازحين و نقول بصوت عال:" ياللطفولة و الشقاوة!!" و أخذنا نلتقط لهم الصور، بينما شاركنا جمهور من السكان فى المطار.و أخيرا وصلت الحافلة المخصصة لنا، فى جاوه إستقبلنا كل من السيد حسين عارف أحد كبار المرشدين السياحين بجاوه الشرقية و مدير قطاع الإرشاد السياحي بوزارة السياحة بالإقليم، ومعه زميله، و اخبرونا أننا لن نبيت الليلة فى سورابايا بل علينا أن ننهي التصوير مع مدير عام القطاع الثقافى و السياحى  بمحافظة جاوه الشرقية الدكتور/ جاريانتو، والذى ينتظرنا خصيصا فى مكتبه بالوزارة، حيث سننطلق بعد ذلك على الطريق المؤدي إلى القرية القريبة من موقع جبل وبركان برومو تأهبا للبدء فى صعود البركان فى الثانية صباحا، لأن الصعود سيستغرق منا وقتا طويلا ، كما أننا سنشاهد شروق الشمس من على قمة جبل سيميرو المواجه للبركان برومو الشهير،لذا فإن الوقت المتبقي بالكاد يتماشى مع الجدول المعد للتصوير.

فإنطلقنا،و بعد أن أنهينا التصوير مع الدكتور / جاريانتو، أخذنا نصور فيديو عن مقتنيات القطاع الثقافي المتحفية و التى كانت تزخر بالعديد من المقتنيات الأثرية و التى تعكس ثقافة و حضارة إندونيسيا الكبيرة و القديمة فى نفس الوقت، ثم ركبنا السيارة ، لكن كان علينا التوجه مرة أخرى للمطار حتى أحصل حقيبتي التى نسيتها فى جاكرتا فى الفندق هناك.

 و عندما وصلنا المطار لم تكن الحقيبة موجودة! إذ عرفنا أن أمن المطار اخذها نظرا لتأخر إستلامنا لها، فكان لابد و ان نتجه إلى مقر وزارة الداخلية ( مرادف وزارة الداخلية فى إندونيسيا) و عندما سألنا عن الحقيبة لم نجدها ، و عرفنا أننا تأخرنا كثيرا لذا تم تحويلها إلى الأمن العام ، نظرا لأن الحقيبة تخص أحد الأجانب و هو " أنا" بكل فخر! ثم إتجهنا إلى الأمن العام و فى الطريق كانت هذه المغامرة مادة للتندر فيما بيننا ، و الكل أخذ يسألني " ماذا وضعت فى الحقيبة يا ترى؟ و أن على أن أعترف لو أنني وضعت أى مواد متفجرة أو مخدرات؟ و انهم سيزوروني فى السجن حاملين لي الأطعمة و المشروبات على الطريقة الإندونيسية، و كنا نضحك فعلا فى الطريق ، لكن ما لبثنا أن وصلنا إلى مقر الأمن العام ، و من المدخل فقط خيم الصمت على الجميع فقد كان المدخل مهيبا و الإجراءات صارمة و تحمل كل الجد، فلم يكن هناك مكانا للدعابة ، وللمرة الأولى شعرت بأني قد إرتكبت خطئأ بتركي الحقيبة فى غرفتي و عدم التأكد من أنها ضمن الحقائب التى وصلت لبوابة الفندق. غير ان كل مخاوفي تبددت عندما وجدت ضابطا يحمل الحقيبة و هو يبتسم فى وجهي و يقول لي:" تفضلي تأكدي من محتوياتها". و أخيرا تنفست الصعداء ، كان لزاما على أن أتحمل نفقات شحن الحقيبة عبر الطائرة ، غير أنني تعملت درسا لن أنساه. أحيانا أشعر بأني عند الأزمات أكون هادئة الجأش و لكن تداعيات كل هذا الهدوء يحل على جسدي و نفسيتي بعد قضاء الأمر تماما و تقريبا، هذا ماحدث لي فكل الإنزعاج و الخوف الذى كبته داخلي مع فقداني لحقيبتي بدأ فى الظهور فى رحلتي "لبرومو".

 و انطلقنا إلى حيث المغامرة القادمة فى برومو ،و فى الطريق توقفنا لتناول الغداء فى أحد المطاعم المعدة على طرق السفر، غير أن المطعم كان كبيرا أيضا و متسعا جدا ، و هنا جربت لأول مرة مشروب جوز الهند ( فأنا لست من عشاقه أبدا لكني غيرت فكرتي تماما عنه بعد أن تذوقته هناك) كما نصحتني بذلك أروم، كنت أنا و هي مقربتان فى أذواقنا و إكتشفنا أننا أيضا نحب نفس الأطعمة تقريبا و نكره نفسها، و كان هذا مرضيا جدا بالنسبة لي ، و أروم شخصية لطيفة جدا ، شابة دبلوماسية أتوقع لها مستقبلا باهرا فى السلك الدبلوماسي، خاصة و انها نشيطة جدا و تتحرك فى أكثر من مدى و إتجاه ، كما أنها شخصية منظمة و تعود جذور عائلتها إلى الأمراء  فى إندونيسيا القديمة ، لذا لم يكن من الصعب علي أن ألمح هذا الجانب النبيل من شخصيتها و اضحا فى تصرفاتها معنا جميعنا، كما أن شابة مرحة و حازمة فى نفس الوقت، و لقد رشحت لي أيضا أن أتناول الفروج المشوي بالطريقة الإندونيسية و كان لذيذا للغاية!

فكرة التشارك فى نفس المائدة مع الأخرين تجعلك مقربا منهم، كما أن ألفة ما تجمعنا بالإندونيسيين، لا أدري ما هي ، لكن أحدايثنا على طاولة الطعام جعلت منا أسرة واحدة تقضي رحلة ترفيهية و ليست رحلة عمل مملة.

والأن سأحكي لكم عن مقاطعة جاوه الشرقية، تبلغ مساحة ( جاوه تيمور و تعنى جاوه الشرقية  من الإندونيسية إلى العربية) حوالى 47 ألف كم مربع ، و كانت قديما تعتبر منطقة ترانزيت عندما يذهب الناس لزيارة بالى، و غيرها ، لكن الأن هناك مزارات و مقاصد سياحية منتشرة فى جميع مناطق جاوه الشرقية من شمالها إلى جنوبها .

من المقاصد السياحية الأشهر من غيرها؛ جبل برومو و بركان إيجن فى منطقة طبيعية و هى مزار سياحى طبيعى ، و هناك أيضا شواطيء مشهورة فى جاوه الشرقية مثل مادورا (و هي التى كانت ستقيم مهرجان ركوب الثيران) و جيرسى ، و تمثل مقاصد سياحية مشهورة حيث يتوافد عليها السياح طوال السنة ، و بالنسبة للخدمات التى تقدم للسياح ، فمحافظة جاوه الشرقية لا تتوانى عن خدمة السياح داخليا و دوليا ، كما أيضا أن هذه المنطقة معروفة بأسعار رخيصة فهى أرخص من مناطق أخرى مع الجودة العالية جدا. بالنسبة للمأكولات الموجودة فى منطقة جاوه الشرقية ، فتعتبر من أكبر تعداد للمطاعم و تنوعها فى إندونيسيا و المطاعم الموجودة فى معظم جاوه الشرقية ، و خصوصا فى منطقة سورابايا مفتوحة 24 ساعة ،لذلك أى سائح بإمكانه الحصول على وجبة فى أى وقت ، و يعثر على أكلاته الخاصة بدولته. و سأعود لأحدثكم بتفصيل أكثر عن " سورابايا" لكن عندما أحكي لكم عن مغامرات برومو المهيبة.

اليوم الثالث برومو و شروق الشمس و موقف مضحك!

وصلنا إلى المبيت المخصص لنا وكان من أقرب نقطة يمكن أن ننطلق منها إلى جبل برومو، و المبيت كان عبارة عن مجموعة من الأكواخ المنعزلة بحيث تكون كل غرفة منها ذات حمام منفصل إلى جانب السرير و مكان معد للطعام إلى جوار نافذة صغيرة، كنا قد وصلنا فى المساء حوالي العاشرة و النصف مساء، لذا لم أتمكن من رؤية الكثير أو حتى التعرف على المكان فى ذلك الوقت، فقط أدركت أن المياه شحيحة فى تلك المنطقة لذا علينا أن نكون مقتصدين فى إستخدامها، فحاولت قدر الإمكان الإغتسال بقدر ضئيل حتى أستطيع الخلود للنوم مدة أرببع ساعات أو ربما أقل لأستيقظ فى تمام الساعة الثانية و نتجمع فى الخارج عند سيارات الجيب التى ستقلنا فى رحلة الصعود لجبل برومو.



فى الثانية كنا قد إنتهينا جميعنا من التجهيزات و المعدات على أهبة الإستعداد للتصوير، و كان السيد إروان يقوم بتوثيق و تصوير كل تفاصيل الرحلة إلى جانب مساعدته الدائمة لنا بمحاولة تذليل العقبات، بينما تبدو خبرة السيد حسين فى الإرشاد و التنظيم و الإدارة واضحة إلى جانب لغته العربية الركيكة نوعا ما ، لكنها كانت مفهومة وواضحة جدا بالنسبة لنا؛ إضافة إلى أنه كان يقوم بالترجمة بيننا و بين سائق الجيب، و بطبيعة الحال لم يكن الجيب ليتسع عددنا كلنا ، لذا إستأجرنا ثلاث سيارات، و أخبرنا السائق أن درجة الحرارة فى الخارج فى ذلك الوقت كانت 2 درجة مئوية و انه من المتوقع أن تنخفض، و أن علينا ألا نقلق فى حال توقف محرك السيارة أثناء الصعود فالجبل طريقه يميل إلى أن يكون بزاوية قائمة، و السيارات قديمة الطراز لكن محركها قوي يتحمل الطريق كما أن هناك قواعد تحدد مسافة كل سيارة عن التى تليها، و تحدد إستخدام الكشافات الأمامية و الإنارة الخلفية للسيارات و السرعة،، و الطريق مظلم تماما فلا ينبغي علينا أن نخاف من الظلمة أثناء الصعود، و كان كل ما تحدث به كفيلا فى أن يشعل حماستي و حبي للمغامرة و تشوقي لمعرفة إلى أين سيؤدي بنا هذا الطريق المظلم فى نهاية المطاف.



ما قد تراه فى الظلام ، ربما يصبح أكثر جمالا مع بزوغ شمس النهار !

هذه ليست جملة عابرة أو عبارة فلسفية ، أنها وصف لمغامرة مشوقة تبدأ أحداثها مع منتصف الليل و تحديدا فى الثانية و النصف صباحا ، حيث تصل درجات الحرارة إلى 2 درجة مئوية  فقط ، و تحجب الشبورة الكثيفة الرؤية الواضحة للطرق ، عدا أنوار سيارات الجيب المجهزة بسائقين مهرة . إنها مغامرة زيارة جبل برومو أو بالأحرى بركان برومو الثائر.

برومو الذى يبلغ إرتفاعه حوالى 2329 متر ، هو ليس باكبر قمة بركانية يمكنك رؤيتها فى تلك المنطقة المعروفة بإسم تكتل التينجيريين نسبة إلى سكانها الأصليين و هم مجموعة عرقية إندونيسية تبلغ تعدادها حوالى 600 ألف نسمة موزعة فى ثلاثين قرية تحيط بسلسلة الجبال البركانية و التى تسبح فى بحر من الرمال الرمادية اللون نتيجة نشاطها المستمر حتى يومنا الحالى.

 تلمح جنسيات متعددة ، لهجات عجيبة و غريبة و بعضها مألوف لأذنك كالانجليزية و الفرنسية و الألمانية ، حتى العربية ، و الهندية و الصينية ، إلا أن لهجات أخرى تمر بجوارك ، الكل مستعد ، مستيقظ فى ساعات الصباح الباكر ، لم يتذوقوا طعاما أو شرابا ، تختبيء ملامح وجوههم خلف أقنعة من الصوف أو الكمامات القماشية و تعتمر أيديهم قفازات  ثقيلة ، و على أكتفاهم ملابس تبعث على الشعور بالدفء ، يبدأ الحاضرون بالإصطفاف إلى جوار بعضهم البعض ، كل مجموعة و كل فريق يتجمع حول سيارتهم التى ستقلهم ، قد لا تحمل سيارات الجيب على الأكثر سوى ثلاثة إلى أربعة أشخاص ، وفى سكون الليل تبدو أصوات المحركات صاخبة جدا كحفلة غناء من نوع الروك اند رول ، وبدأ سرب السيارات فى التحرك.

ربما كان من الأفضل أن يتم بدء الرحلة فى الظلام ، فعندما ستشرق الشمس سيظهر وجه الطريق الخطر ، و ربما سيحجم كثير من السياح و الزوار عن المشاركة ،لكن المتعة و جمال ما سيرونه يستحق كل دقيقة ، و كل ثانية و حتى يستحق الذهاب لأبعد من ركوب طريق منحنى و خطير و مظلم .

 فى نقطة الألتقاء ، تبدأ الموتوسيكلات فى إبداء خدماتها للسياح نظير دولار واحد فقط ، حيث ستتجمع الوفود على شرفة البانوراما أعلى الجبال المؤدية إلى جبل و بركان برومو  النشط  فى إندونيسيا  .

و على جانبى الطريق يظهر الباعة الجائلين  يحملون معاطف مطر ثقيلة تحسبا لأى تغيرات طارئة فى الجو ، وحرصا على منح فرصة أخرى لمن لم يحضر ملابس ثقيلة معه لهذه المغامرة ، و هناك قسم أخر من الباعة يقدمون الواقيات الثقيلة للرأس و القفازات ، و أيضا المأكولات  التى تضم أكلات إندونيسية خفيفية و مكرونة سريعة التحضير بنكهات مميزة جدا ، و حتى المشروبات الدافئة نظير مبالغ زهيدة قد تصل إلى دولار أو دولارين و أحيانا ثلاثة دولارات .

 وعلى حافة ممر (البانورما) توجد خدمات الصلاة ، و الحمامات ،و مياه الشرب و المنتجات الترويجية السياحية ، تحمل طابع إندونيسيا و بصمة جبل و بركان برومو .. تطل البانوراما واسعة الشرفة ذات الحواجز الأمنية على أكثر المشاهد الطبيعية جمالا ، فلا يمكن لأى صورة ملتقطه عبر تكنولوجيا متطورة بخلاف عين الإنسان التى أبدعها الخالق عز و جل أن تنقل لك مدى جمال و روعة المنظر و جلاله ، فهناك على هذا الإرتفاع ، يبدو السحاب الأبيض كغلالة صغيرة تحيط بالبركان ، بينما تبدو أشكال السحب كامواج بحرية منسابة فى هدوء و إجلال ..

 إنها ساعات النهار الأولى مع شروق فجر يوم جديد .. و رويدا رويدا تطل الشمس فى إستحياء لمعجبيها ، الذين ينتظرون قدومها و سط الغيوم .. ثم تهب على المشهد سحابة غير متوقعة تحاول أن تسرق من المشس معجبيها ، فتتهافت أصوات الحضور مستاءة و ينتظرون بصبر عودة شروق الشمس بعد مرور السحابة ، على يمين ذلك المشهد المهيب ، يقف جبل برومو ينفث دخانه فى هدوء ، و على مقربة منه قمة أعلى لجبل بركانى أخر يعرف بإسم سيميرو، الطائرات المتقدمة الحاملة لللكاميرات الرقمية الحديثة تزعج صمت المكان بأزيزها المتتالى ،  غير أنها كلما حلقت فوق جمع الناس أطلقوا صيحاتهم مرحا ، و تشجعيا .. فأى وسيلة تخلد تلك اللحظة فى حياتهم ستكون دوما محل ترحيب كبير ..

https://www.instagram.com/p/Ba_cvo5guNm/?utm_source=ig_web_copy_link

 https://www.instagram.com/p/BaxVq92gJgX/?utm_source=ig_web_copy_link

 و فوق البانوراما حيث مشهد الشروق الذى يستمر قرابة الأربعين دقيقة ، تظهر سيدات تحملن كراسى للأيجار ، و أخريات يحملن مغناطيس كتذكار ، و بعض الكروت المصورة عليها صورة جبل برومو و مناظره المهيبة الخلابة .

أقرب مكان لزيارة برومو و تسلقه حتى الوصول إلى حافة البركان ، هى من جبل (كومورو لوانج ) و يعد كلا من بحر رمال برومو و المعبد الموجود بالقرب منه و منطقة برومو بالكامل محمية طبيعية تم إعلانها فى عام 1919م ، و يبعد جبل كومورو لوانج حوالى 45 دقيقة من جبل برومو ، إلا أن مشهد البانوراما المهيب و الطريق المفتوحة حاليا لزيارة جبل برومو هى من خلال جبل آخر يدعى (بينانجاكن) الذى يرتفع عن سطح الأرض بحوالى 2770 مترا، وهو الجبل الذى يصطف فيه الزوار لرؤية شروق الشمس و المعد خصيصا لإستقبال زواره منذ ساعات الظلام المتأخرة  و حتى ساعات الشروق المبكرة.

 و تشرق الشمس ، و فور إنتهاء شروقها ، تبدأ رحلة جديدة بسيارات الجيب أو الدراجات النارية ، يبلغ إيجار سيارات الجيب فى الرحلة الواحدة حوالى 40 دولارا ، ثم نهبط من جديد من شرفة البانوراما ، لنصل إلى بحر الرمال ، أسفل بحر السحاب ، فهى الطريقة الوحيدة المؤدية إلى بركان برومو ، ويستمر السير فى بحر الرمال مسافة 2 كم ، و بإمكان السياح الإستغناء عن السير هذه المسافة بركوب الخيل الذى يتم تأجيره بحوالى 17 دولارا فقط . تنتهى رحلة الحصان حيث  تبدأ السلالم الصاعدة و التى يماثل إرتفاعها إرتفاع مبنى مكون من 13-15 طابقا ، و يبلغ عددها حوالى 245 سلما مقسمة بحيث يكون هناك درج للصعود و درج للهبوط ، و منطقة إستراحة حتى  يستكمل الزوار مغامرتهم بيسر.. وفى الأعلى لا صوت يعلو على صوت البركان الثائر و لكن فى سلام !

لم أخبركم أني قصيرة القامة، لذا ربما لم يكن ركوب الخيل فكرة جيدة بالنسبة لي، فكان الحل أن أحاول ركوب حماربدلا من الحصان، و بالفعل أحضروا لي حمارا صغيرا، كنت فى باديء الأمر ألعب مع الحمار و أربت على رقبته، فبدوا يشجعوني على ذلك لكني عندما ركبت الحمار،بدأت فى الصراخ عاليا، فقد كنت خائفة جدا من تمايله أثناء الحركة كما أن قدمي لم تثبت جيدا، فعندما بدأ فى التحرك أخذت أتمايل و ظننت أني سأسقط، وأخذت فى الضراخ عاليا!!

 أجتذبت صرخاتي كل الموجودين فى منطقة ركوب الخيل و الدواب، حتى أني شعرت بأني أخفت حماري الصغير، و بدأت أصرخ طلبا فى النزول، لم تخيفني منحدرات الجبل المظلمة و أخافني حمار!!

 كان هذا أطرف موقف حدث معي فى رحلتي لبرومو، و لم أهدأ إلا و أنا على الأرض مرة اخرى، فى الواقع أعتقد أن كل الموجودين حملوني لأنزل لأني فوجئت بوجوه مختلفة الألوان تتأكد من أني بخير، و تسأل عماذا حدث بالضبط، ههههههه، و اخفيت وجهي فى خجل و أنسحبت بهدوء للخلف... وتمكنت الخروج من وسط هذا التجمع الذى أثرته بصوتي الرنان.


لحق بي السيد إدوارد، و هو رفيق السيد حسين، و دعاني لتناول " النودلز" الجاهزة الإندونيسية إلى جانب مشروب دافيء فى احد الخيم التى ينصبها السكان المحليون طلبا للرزق إلى جوار برومو، ثم بادرني بقوله:" ألا تودين رؤية البركان؟ إذا كنتي لا تستطيعين ركوب الدواب فيمكنك أن تجربي المشي!" و تركني لأفكر بنفسي عن ماذا سأفعل فى الخطوة التالية...

 فقررت المشي ، و فى الطريق إلى حيث السلم الذى يصعده السياح لإعتلاء برومو، قابلني نفس الحمار الصغير، و كان يحمل أحد السياح و إلى جواره صاحبه، و يبدو أنه نشأت بيني و بين الحمار الصغير عاطفة ما، فوجدته يحيد عن طريقه و يتجه إلى ، أو ربما كان يود ان يسألني "أخبريني ما هي غلطتي؟!" و حاول صاحبه جاهدا أن يعيده لمساره لكنه أبى ، فتوجهت إليه بدوري و ربتت على عنقه من جديد و طلبت منه أن يوصل راكبه، و أني لم أخف منه ، و لعجيبة الأمر أمتثل و أكمل طريقه ... ليتركني فى ذهول!!" ماذا؟؟ هل فهمني الحمار؟؟ لماذا لا يفهمني البشر إذن؟؟ ، كان هذا حديث بيني و بين نفسي فى تلك اللحظة، و شعرت بأننا جميعنا عنصريين تجاه الحمير، و أنهم اطيب مخلوقات الله، و أن علينا ألا نميز بين الخيل و الحمير، فكلها مخلوقات بديعة، و أن لا ذنب للحمار فى أن شكله غير جيد مثل الخيول، أو أنه أقل درجة فى الجمال و الكفاءة عنها، هذه قدرات و لا تهم القدرات قدر ما يهم القلب ... ثم إنتبهت من أفكاري الغريبة المسترسلة و قد وصلت إلى معبد هندوسي على مقربة من أسفل البركان ، لم أشعر بالمشي عندما وصلت إلى المعبد فقد كن مستغرقة فى أفكاري التأملية العجيبة، حول حقوق الحمير و الخيول!!

https://www.instagram.com/p/BavIV1Vgoz4/?utm_source=ig_web_copy_link

 فى المعبد لم يكن هناك زوار كثر، لكني طفت بداخله لأشبع فضولي حول طبيعة المعابد الهندوسية و أنا أفكر أن تكون رحلتي القادمة للهند، حتى أجد من يشرح لي بشيء من التفصيل، و حانت مني نظرة إلى الخيم المنصوبة و أماكن السيارات فوجدت أني قد إبتعدت مسافة كبيرة جدا، وإستمريت فى السير، حتى وصلت لأسفل البركان.. السلالم لم تكن واضحة بشكل كاف، و وجدت أن السلم منقسم عرفيا إلى جهتين جهة للنزول و جهة أخرى للصعود، و فى حال ما احس شخص ما بحاجة إلى الراحة وجب عليه ان يخرج عن الجانب الذى يلتزم به و يقف فى المنتصف أو فى مكان خال، و فجأة تلاشت كل الشجاعة بداخلي و خفت إن تعبت وأنا أصعد السلم المؤدي إلى فوهة البركان أني لن اجد الوقت الكافي للراحة أو قد يدفعني احدهم، أو أني قد أضايق أحدهم بإستراحتي، و لم أثق فى إمكانياتي بأني سأصعد بشكل متواصل.. ثم كان زملائي قد وصلوا إلى قمة البركان .. فقررت أن أعود أدراجي إلى حيث وقفت سيارتنا من جديد.

 فى طريق العودة .. اخذت أسب نفسي مئات المرات ، و أصفها بالجبن، و عدم الشجاعة، و أنه لن يمكنني أن أكمل طريقا بعد اليوم ، و كيف لي أن تخذلني قدماي، ثم تخذلني إرادتي فى صعود البركان، و كيف سأعوض هذه الرحلة الثمينة مرة أخرى بمشاهدة البركان و الإستماع إلى صوته الحي النادر، الذى لا يمكن العثور عليه ضمن أى فيديو مصور اخر.. حتى وصلت إلى السيد" إدوارد" فأبتسم لي، فابتسمت له و صمتت ... قررت ألا أبوح بلوم نفسي للأخرين والإحتفاظ به داخل وجداني حتى هذه اللحظة على الأقل.

لا تسمح الحكومة الإندونيسية  بزيارات برومو إلا بعد أن يعتمد المركز الأندونيسى لدراسة البراكين و الحد من مخاطرها الزيارة إليه ، و ذلك عن طريق القياس المستمر لدرجة نشاط البركان ، و يشهد تاريخ برومو البركانى عدة فترات من الثورات البركانية ، كان أولها عام 2004 م و تسبب الثوران البركانى فى مقتل شخصين بسبب الحجارة المتساقطة نتيجة ثورانه ، أما المرة الثانية فكانت فى عام 2010 م ، حيث أبلغ المركز الإندونيسيى لقياس النشاط البركانى و الحد من مخاطره السياح و المقيمين فى محيط البركان بإخلاء دائرة أمان يبلغ قطرها ثلاثة كيلومترات ،  و كان ذلك التحذير قبل بدء النشاط البركانى بثلاثة أيام فكان تحذيرهم بمثابة إنقاذ للأرواح ، و بدأ البركان يثور ، غير أن وزارة النقل اوقفت رحلات الطيران الداخلية من مطار مالانج المدينة الواقعة جنوب منطقة برومو و تبعد حوالى 25 كلم ، و يعيش بها حوالى 800 ألف نسمة ، و ذلك  بعد بدء نشاطه بثلاثة أيام ، فقد ثبت أن البركان الثائر ينفخ رماده البركانى إلى إرتفاع يصل حتى 700 مترا فى السماء ، يذكر أن عدد الرحلات الداخلية من مطار مالانج يزيد عن عشر رحلات على الأغلب .

 الثورة الثالثة كانت فى عام 2011م ، حيث لم يتوقف البركان عن نشاطه ، فمنذ ديسمر 2010م ، أبلغ المركز الإندونيسى للنشاط البركانى  والحد من مخاطره بأن البركان إستمر فى قذف مواده المصهورة و رماده مما تسبب فى تدفق اللافا ، و أتخذ الجميع إحتياطه بإبقاء الزوار و السكان بعيدا فى دائرة أمنية تبعد حوالى 2 كيلومتر من فوهة البركان النشطة .

 عاد البركان ليهدأ من جديد ، حتى عام 2015م ، حيث بدأت علامات نشاطه يتضح مجددا ، و بدأ البركان فى قذف الرماد البركانى ، و منع السياح من الإقتراب من منطقة بحر الرمال. فى العام التالي لزيارتنا لبرومو ثار البركان ، و كأنه حتفل بإنهاء مهمتنا بنجاح و يؤكد علينا أننا لم نكن لننهي مهتمتنا لولا أنه سمح لنا بذلك.

( مجرد خيال مؤلفة!)


ينظر المقيمون حول منطقة برومو إلى البركان نظرة الصديق الذى ربما تنتابه لحظات من الغضب و الخصام ، لكن ما يلبث و أن يجدد وده مرة أخرى مع أصدقائه القدامى ، فهو بالنسبة لكثيرين مصدرا غنيا للرزق ، و مصدرا أخر للزراعة ، و تعمل حكومة إندونيسيا بالتعاون مع وزارة السياحة الإندونيسية على أن يحصل سكان المنطقة علىى مزايا تحفزهم على البقاء بها ، فيمنح مثلا لحديثى الزواج مقدار هيكتارين من الأراضى يعمل على بناء مسكنه بها ، و على زراعتها ،  فترى على الجانبين من الطريق المؤدى للفنادق التى تستضيف زوار البركان اليوميين بأعداد كبيرة ، بيوتا أخرى تبعد مسافات كبيرة عن بعضها البعض و تفصلها المساحات المزروعة الخضراء ، كما تذلل لهم الحصول على سيارات جيب لحمل السياح ، و على إمتلاك الأحصنة ، و تأسيس الفنادق اللازمة للإقامة ، و يعمل السكان المحليون على إبقاء صداقتهم مع البركان ، حتى لو تطلب منهم الأمر الأستيقاظ فى الظلام الدامس كل يوم ، ثم البقاء حتى قرب غروب الشمس كما يفعل كل أصحاب الخدمات المحيطة بالجبل أو البانوراما ، و على وجوههم بسمة و فى قلوبهم ثقة ب( برومو ).

أنهينا زيارة برومو فى حوالي الساعة الحادية عشر صباحا، بعد كل هذه الأحداث كان امامنا وقت لكي نتناول الفطور فى المبيت الذى كنا قد حجزنا فيه ليتنا الماضية، و كان الفطور بسيطا، حساء دافيء و بيض مسلوق و نودلز، إلى جانب بعض الرقائق المقرمشة و المصنوعة من عجائن الجمبري على الطريقة الإندونيسية، و كان لذيذا.

https://www.instagram.com/p/BbHAqxnAg5r/?utm_source=ig_web_copy_link

 

 أمكنني أخيرا رؤية المنظر من امام المبيت و فوجئت بأن البركان المهيب يطل علينا فى مقابلتنا تماما، و اخذ كل منا فى إلتقاط الصور فقد كان المنظر خلابا، مزيج بين الخضرة الساحرة على جوانب الجبال و المنازل متناثرة على سفوحها، حياة كاملة تعيش على الجبال، و مزروعات كثيرة تجود بها التربة البركانية ،إلى جانب قمم برومو و سيميرو و جنانكين.. و حان وقت توديع تلك المنطقة لنتجه إلى المقصد التالي للتصوير فى حديقة مفتوحة للحياة البرية ( حديقة حيوان مفتوحة)، كان هذا اليوم هو إجازة رسمية للحديقة و كان قد تم إطعام الحيوانات المفترسة بها قبيل وصولنا إليها، حديقة مدينة  ( بريجان باسور وان ) تقع على الجهة الشمالية من جبل ( أرجونو) ، و تضم المدينة اكبر سفارى موجودة فى محافظة جاوه الشرقية ، حيث تدار السفارى كقطعة أرض مملوكة للدولة لكن بنظام المشاركة مع القطاع الخاص للإستثمار ، فحوالى 40% من السفارى يعود ربحه إلى الشركات القطاع الخاص  و التى تعمل على تصميم و إدارة و تقديم خدمات السفارى ، بينما حوالى 60% يعود ربحه إلى الدولة و الحكومة .



تعمل السفارى من الساعة السابعة صباحا ، و حتى الخامسة مساء ، تفتح أبوابها للزوار ، بإستقبال فى بوابة كبيرة مقسمة لثلاثة مسارات للسيارات ، حيث يمكن ركنها بالداخل ، لتبدأ مغامرة أخرى ، حيث يمنع منعا باتا أن تعترض زيارة الضيوف حياة الحيوانات التى تقطن بالسفارى ، فهى خارج الحبس ، و لذا يتمتع الزائر بجولة حرة داخل السفارى و لكن من داخل حافلة معدة خصيصا لهذا الغرض ، و إذا أمعنت النظر فستجد أن هناك سيارة تتبعك بها رجال الأمن لتأمين رحلتك  داخل السفارى تحسبا لأى ردة فعل من المفترسات ، و إلى جانب هذه السيارة تجد سيارة أخرى بها حراس الحيوانات حيث يقومون بإطعامها و مراقبتها بالإضافة إلى فحصها بشكل دورى ..

هناك مسارات محددة طبقا للبرنامج الذى قمت بإختياره للقيام برحلتك للسفارى ، فالبعض يذهب من أجل التخييم ، و فى هذا الشأن تقدم سفارى مدينة ( بريجان باسوروان ) أكثر من برنامج أحدها يعتمد على التخييم داخل الغابة الطبيعية التى تأسست عليها السفارى و هناك يكتسب الزوار مهارة الكشافة و مراقبة الطيور و الحشرات الغريبة و الحيوانات ، و البرنامج الأخر مصمم كفندق ترفيهى يمكن رواده من إطعام الحيوانات الأليفة التى عادة ما يحبها الأطفال بكل ما فى الفندق من خدمات ، وهناك تستطيع رؤية الزرافة ، و الغزلان ،  و الحمار الوحشى و غيرها من الحيوانات التى عادة ما يحب الأطفال التعامل معها ،هذه الحيوانات متروكة حرة الحركة و بدون قيود ، فهذه هى سياسة سفارى مدينة (بريجان باسور وان )

 وعلى الجانب الأخر ، نكمل معكم الرحلة من داخل سيارة الحديقة الخاصة .. بدأت الرحلة فى جو مشمس ، لكننا كنا نسمع صوت الرعد .. و لم يلبث وقت طويل حتى بدأت الأمطار تهطل بغزارة فإندونيسيا لا يوجد لديها سوى فصلين فقط أحدهما هو فصل المطر و يستمر ستة أشهر ، و الفصل الثانى هو فصل الصيف و يمتاز بالحرارة العالية.

 و مع هطول المطر أصبح من الصعب تصوير الحيوانات بدقة فى مسكنها الذى روعى أن يحتوى على مكونات من بيئتها الطبيعية ، و أن تترك حرة الحركة دوما بلا قيود ، و لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تخرج الكاميرا أو أحد من طاقم التصوير خارج جدران النوافذ المغلقة و المؤمنة لأتوبيس حديقة السفارى .

و فى نهاية التجوال، أستضافتنا الحديقة للغداء فى مطعمها الخاص، المطعم يحمل الطابع الفرنسي كذلك فأن المأكولات فيه تحمل نفس الطابع إلى جانب الأطعمة الإندونيسية و الأطعمة الغربية المختلفة، و فى حجرة الطعام ، يوجد حائط مائي شفاف  يفصل بيننا و بين الحيوانات البرية حتى لا نشعر بالإنفصال عن إدراكنا باننا لازلنا فى حديقة حيوان، و كنت قد إخترت مكاني إلى جوار الحائظ الشفاف ، بعد أن إلتقطنا الصور التذكارية، و ما لبثت إلا أن حانت مني نظرة إلى النافذة الزجاجية لألمح ليث أبيض ينظر إلى بكل عمق... وللحظات تسمرت يدي بالملعقة التى أحملها و تبادلنا النظرات أنا و الأسد لفترة لا أعلم مداها،،، حتى قرر أن يغادر فى أمان.

 بعد فترة عاد الأسد مرة أخرى بقوة مندفعا نحو الحائط الزجاجي في محاولة للهجوم علي! و أقسم أني سمعت صوت زئيره بقوة رغم الزجاج، فأرتعبت كل من مريم و أروم، بينما تجمدت من هول الرعب و المفاجأة فلم أستطع أن أنطق بحرف واحد.. جاء إلى مسامعي صوت السيد إروان و السيد حسين و إدوارد ، ليوقطني من فزعي مع مدير المطعم، حتى يشرح لنا كيف أن هذه المصدات أمنة و أنها مصممة خصيصا بحيث تمنح الجو الطبيعي للحديقة مع الإحتفاظ بمعايير السلامة للزوار.

 لم أجد صورة الأسد فوضعت صور نمر أبيض من الحديقة المفتوحة :)

 كم كنت سعيدة عندما انهيت وجبتي بسرعة فى هذا المطعم، لنتوجه إلى فندق بيئي أخر على مقربة من الحديقة، هذا الفندق يحتوي أيضا على حيوانات فى بيئة مفتوحة لكنه فى نظري كان أفخم فندق رأيته فى حياتي.

بهذه الزيارات أنهينا يوما طويلا جدا بدأ فى الثانية من الصباح الباكر قبل الفجر، و إنتهى فى السيارة عند حلول المساء لنسافر إلى مدينة أخرى وقعت فى حبها من اللحظة الأولى .. أنها باتو !


تعليقات

المشاركات الشائعة